مشكلة المرأة

عدد القراءات :4176

موضوع لم ينشر لمالك بن نبي رحمه الله

قبل الدخول في صلب الموضوع بقلة معرفتي، لأنني لست من حملة الأقلام، أو أصحاب العلم والمعرفة للخوض في هدا الموضوع الشائك المتشعب الجوانب، وإنما أردت لفت نظر الإخوة المؤمنين إلى خطورة ما يحاك ضد الإسلام حتى يكونوا على بينة من الأمر، وخاصة في هذه المدة الأخيرة حيث خرج هذا الموضوع من نطاق الحشمة والستر، إلى شوارع الإباحية والأغلال والميوعة، ضاربا بالقيم الأخلاقية والآداب العامة والأعراف الإنسانية عرض الحائط.
وبالتالي أصبحت القضية من الخطورة بمكان، وسكوت من يهمهم الأمر من الكتاب والمفكرين من ذوي الاختصاص في هده القضية، جعلني أغامر بقلمي مقتحما مجال الكتابة في الموضوع، فادا أصبت، وذلك ما أرجوه فلي أجران، وإذا أخطأت- وذلك ما أخشاه- فلي أجر واحد، وفي كل الحالات لا أريد إلا وجه الله أولا، والحق ثانيا.
إن مشكلة المرأة أو قضية المرأة أو حرية المرأة كما يحلو لبعض الناس تسميتها، وإن كانت في الواقع شيئا واحدا، والتي أثيرت في الفكر الإسلامي المعاصر، لم تكن معروفة في مجتمعنا الإسلامي مند عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا الحاضر.
ولكي تكون الفكرة واضحة كما ينبغي، أرى لزاما علي أن أرجع الى أكبر عالم اجتماعي في الوطن العربي، وهو مؤسس علم الاجتماع، وأعني به ابن خلدون رحمه الله، ونحن نعرف دقته وحرصه في تصنيفه لنوع المشكلات الاجتماعية وطرحها بأسلوب علمي، فلم نر، ولم نجد أثرا في كتابه القيم” المقدمة” لم يعقد فيه فصلا عنوانه المرأة أو في شيء من هذا القبيل، وهذا دليل قاطع يبين لنا أنه من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصر ابن خلدون- خلال هذه الفترة الزمنية ومدتها عشرة قرون تقريبا- لم توجد ولم تعرف هذه المشكلة إطلاقا في الفكر الإسلامي ولا في المجتمع الإسلامي، وهدا يغنينا عن كل دليل على أن الاسلام أتى وقدم الحلول لكل أنواع المشكلات المحتملة إن كانت هناك مشكلات لا قدر الله، وحياة سلفنا الصالح هي أكثر من حل وأكثر من نموذج وأكثر من برنامج وأكثر من منهاج إسلامي واضح المعالم والقيم لا يحتاج الى طعن أو شك أونظر…
إن المرأة على مدى التاريخ الإسلامي بداية من الولادة إلى الوفاة: من زواج وطلاق وميراث وتعليم وكل ما يتعلق بحياتها الدنيوية والأخروية من حقوق وواجبات كبنت وكأخت وكزوجة وكأم وكجدة.. الخ، كل هذه الأمور إلى عصر ابن خلدون لم تعرف مشكلا يذكر، والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة واضحة في ذلك كل الوضوح لمن أراد البحث عن الحقيقة. ولكن حدث بعد ابن خلدون تطور غريب وذلك راجع الى اتصالنا بالحضارة الغربية واحتكاكنا بثقافتها وتقربنا منها وبالتدقيق منذ منتصف القرن الماضي – ليس شيئا واحدا- منها التطور الخطير في الفكر الغربي نفسه، وهو الشيء الدي يسمى بالفكرة الطبقية والتي يدين بها الغرب إلى سيدهم ماركس في مؤتمر دولي سنة 1881م تحت الشعار الذي نقرأه بكل أسف مكتوبا فوق اللافتات التي ترفع بمناسبة عيد العمال بمناسبة فاتح مايو، حتى في شوارع البلاد العربية والإسلامية” يا كادحي العالم اتحدوا” وكصدى لهذه الفكرة الانفصالية التخريبية، أتت فكرة أخرى:” يا نساء العالم اتحدن” اتحدن ضد من؟
الواقع أننا لا نملك الإجابة عن هذا السؤال؟…
وصلت هذه الفكرة إلى المجتمع الإسلامي في أوائل هدا القرن وذلك مع صدور كتاب قاسم أمين في هذه الفترة بالذات معناه أن هناك تصورات اجتماعية وفكرية مهدت لهذا الكاتب الطريق ووضعت له أساسا اجتماعيا وفكريا صعد على منصته ليخاطب الضمير الإسلامي من خلال ذلك الكتاب المسهب. إذا كانت مشكلة المرأة وجدت صداها في أوروبا مع صدور ذلك الشعار المشار إليه أعلاه، وسط فئة النساء نظرا لما كانت تعانيه المرأة من المأساة والمعاناة التي يندى لها جبين الإنسانية، فهذا يهمهم وحدهم ، فلنا ديننا ولهم دينهم. أما أن تصل إلينا هذه الفكرة الخبيثة الهدامة للقيم والأخلاق، والممزقة لستر العفة والوقار، فلا علاقة لنا بها، ومن ثم فهي مرفوضة دينا واجتماعا وواقعا. فبالنسبة للإسلام، الأمر واضح لا يحتاج إلى أكثر من ذلك حيث بناء المجتمع المثالي، يبتدىء من الأسرة ، وكما ينطبق على الأسرة ينطبق على المجتمع عموما ، فاذا كانت الأسرة تتكون من الجد والجدة والأب والأم والأخ والأخت والابن والبنت، وهي قابلة للتوسع بواسطة المصاهرة والزواج والنسل، لتشمل عدة أسر، كذلك المجتمع الإنساني أو البشري هو بدوره يتكون من مجموع هذه الأسر، وتدخل فيهما كل الشرائح والفئات الاجتماعية من القبيلة والعشيرة والقرية والمدينة، ويدخل ضمنها الغني والفقير والعالم والأمين والكبير والصغير والأمير والوزير.. الخ، ويلخص لنا ذلك الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله :{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم} فاذا كان الاتحاد كما يقولون ضد الرأسمالية والإقطاع، واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، فنحن من جهتنا نؤيد هذا إلى حد ما، لأن ديننا حرم استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وقال: “اعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه” وقال أيضا لينفي الطبقية والتمييز العنصري وإزالتهما من المجتمع الإسلامي لكي يكون مجتما تقيا نظيفا خاليا من كل الشوائب الجاهلية: “الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى كلكم من آدم وآدم من تراب” الأحاديث.
والطبقية صفة من صفات الجاهلية مارستها الشعوب قديما وهي معروفة عند الإغريق وعند العرب بما يسمى طبقة السادة وطبقة العبيد ولم يبق لها أثر يذكر وذلك عندما طلب سادة قريش وزعماؤهم من الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينحي عن مجلسه الضعفاء والعبيد ويطردهم حتى يمكن أن يحضره الأشراف والعظماء لسماع القرآن عسى أن يهتدوا بهديه فيقول: ” ما أنا بطارد المؤمنين” . فالإسلام لم يميز المرأة عن الرجل أو الرجل عن المرأة إلا في بعض الوظائف، فكلاهما سواسية في منظور الإسلام، وقد ربطهما بقانون سماوي كي لا يكون الإجحاف من طرف أحدهما على الآخر، وقد أعطى للمرأة بعض الميزات المعنوية- وهي كثيرة- التي لم يعطها للرجل، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ” الجنة تحت أقدام الأمهات” وهذا التكريم العظيم هو عبارة عن وسام استحقاق من أرفع درجة التي تعطى أو تمنح لأحسن مخلوق قدم خدمة جليلة يستحق عليها المكانة والتقدير والتبجيل والاحترام والاعتراف، إذا فكل امرأة وصلت إلى مرتبة الأم فهي معنية بهذا التكريم لا محالة، دون أن ننسى ما للأم من أهمية في تربية هذا الإنسان بشطريه الرجل والمرأة ورعايتها لهما بالحب والحنان، ولذلك قيل:” كل عظيم وراءه امرأة”.
إذن فهجوم الغرب علينا واتهامنا بأننا نهضم حقوق المرأة، كلام يخرج عن المنطق السليم، ولكن المؤسف حقا، أن بعض هذه الهجومات صدرت من أبناء جلدتنا، فذهب بهم التبجح إلى القول بأننا نعامل المرأة بوحشية فتسربت هذه الأفكار في شكل مشكلة نظرية، أسموها مشكلة المرأة، تسربت من جهتين: من جهة كفكرة طبقية، ومن جهة كرد فعل إسلامي للدفاع عن الإسلام، فأردنا أن نبين الحقيقة بانحرافنا وخروجنا عن نطاق الأحكام الإسلامية، كأننا أردنا أن نبين للغرب أننا أمة متحضرة في مستوى الآخرين نلبس الماكسي والميني كما يلبسون، لأننا أحرار فعلا. القضية في هذه الصورة النظرية من ناحية كمشكلة فكرية، ومن ناحية أخرى كمشكلة اجتماعية، كتقليد وكمحاكاة لمجتمع متفوق علينا حضاريا نعترف له بهذا كما قال ابن خلدون: “من طبيعة المغلوب أنه مولع باتباع الغالب” وهدا التأثير له إيجابياته وسلبياته- ولكن هذا لا ينسينا كمؤمنين، يجب أن نراجع الفكرة لا في ضوء الحضارة الغربية، ولكن في ضوء القوانين والسنن الإلهية التي تتصرف في مصير المجتمعات الإنسانية حتى المجتمع الغربي نفسه لا المجتمع الإسلامي فقط. إذا قررنا وسلمنا بهده المقولة أن هناك مشكلة تسمى المرأة، يجب أيضا أن نقرر- من باب المنطق- أن هناك مشكلة أمامها تسمى مشكلة الرجل، وحينئد نقول أيها الرجال اتحدوا، كما قلنا أيها النساء اتحدن، ضد من؟ لسنا ندري؟…
القضية إذن من منطلقنا خطأ فظيع نظريا واجتماعيا (أعني فلسفيا واجتماعيا) في العالم بصفة عامة، وتقليدا في العالم الإسلامي بصفة خاصة، لا وجود لمشكلة اسمها مشكلة المرأة كما لا وجود لمشكلة اسمها مشكلة الرجل.
الواقع أن هناك مشكلة اسمها الإنسان” بوجهيه الرجل والمرأة، إذا كان الرجل والمرأة يكونان فردين من الناحية العددية، فهما يكونان فردا واحدا من الناحية الاجتماعية لقوله تعالى:“ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة” أي رجل + امرأة= نفس واحدة (وهي الإنسان).
يجب علينا كمؤمنين أن نعتمد على تراثنا لا نبرىء أنفسنا من هذا، حتى ولو انطلقنا من قيود ديننا وجربنا التحليل، وأردنا فقط أ ن نتكلم بموقف نظري بحت، نجد أنه ليست قضية المرأة تطرح من ناحية وقضية الرجل تطرح من ناحية أخرى، وإنما هي الإنسان من جميع الأوجه: وجه يسمى الرجل، ووجه يسمى المرأة، والآخر: الأم، والأب، والأخ، والأخت، والابن والبنت، والتي هي قضية واحدة، ولم تحل بشريطها إذا فصلناها، بل تعقد. فوحدة الإنسانية التي يتكون منها المجتمع، لا يمكن أن تبنى من : رجل+ رجل +رجل إلى ما لا نهاية، ولا من امرأة+ امرأة +امرأة إلى ما لا نهاية إنما الازدواجية لما تذوب وتنصهر في وحدة تسمى الإنسان، أو الوحدة البشرية، والوحدة البشرية ليست واحدة كما هو في الأعداد الحسابية، الوحدة البشرية اثنان رجل + امرأة= إنسان( وحدة بشرية) حتى من الناحية العلمية (الكيمياء والفيزياء) الوحدة أحيانا تعني شيئين، مثلا الماء الواحد ويعني شيئين، إذا حللناه أو مزقناه، وقلنا له: يا هيدروجين اخرج من ناحية، ويا أكسجين من ناحية، انتهى الماء وبالتالي نموت عطشا وتنعدم الحياة ؟ ؟ ؟

تم الاعتماد في كتابة هدا الموضوع على شريط مسجل ولم ينشر لأستادنا مالك بن نبي رحمه الله وأجزل له العطاء .

Comments (0)
Add Comment