مالك بن نبي و النظام الدولي الاقتصادي الجديد

عدد القراءات :4310

المبحث الأول : مالك بن نبي و النظام الاقتصادي الجديد
المطلب الأول : التنبؤ بالتكتلات و انهيار النظام الاشتراكي

يرى مالك بن نبي أن العالم مقسم إلى محورين محور المادة الأولية وعبر عنه بالقارة الاقتصادية الجنوبية ، ومحور الصناعة وعبر عنه بالقارة الاقتصادية الشمالية ، فالمحور الأول تقطنه الشعوب التي تعاني مشكلة التخلف في جميع المجالات أما المحور الثاني حسب مالك بن نبي توفر على درجة من الازدهار و الرقي في الحياة الاقتصادية، وكانت ثروات العالم المتخلف مستغلة من طرف المحور الصناعي رغم الحرب الباردة التي كانت سائدة بين المعسكر الاشتراكي و المعسكر الرأسمالي ، و لكن مالك بن نبي كان يرى أنهما وجهان لعملة واحدة ، وخصوصا فيما يتعلق بمشكلة تسويق المواد الأولية و استغلال الثروات و التحكم في الاقتصاد الدولي عن طريق المؤسسات الدولية المالية .
وفي هذا الإطار كان يرى مالك بن نبي أن العالم كان يتجه نحو العالمية وذلك عندما أقر انهيار الاشتراكية و ظهور عصر التكتلات الاقتصادية وبذلك طرح المشروع البديل لمواجهة هذه التحديات و التكتلات الدولية وهذا بالفعل ما تجلى و ظهر في توحيد أوربا و أصبحت كتلة واحدة ، بعملة واحدة ، و البديل الذي أشار إليه هو التكتلات الإقليمية التي تعطي قوة للاقتصاد الأفرو آسيوي ، أو فكرة كومنولث يضم الدول النامية و المتخلفة من أجل العمل على توحيد محور المادة الأولية لمواجهة النظام العالمي الجديد هذه المواجهة تحمل طابع التعايش الاقتصادي، ويرى أنه من الممكن إيجاد نقطة التقاء بين محور الصناعة و محور المادة الأولية ، فالمحور الشمالي حسب مالك بن نبي عمل دائما على إيجاد التكتلات الإقليمية ، كما عمل على محاربة كل تكـتل يـبنى على أساس مواجهة محور الصناعة و لذلك عندما يتكلم على مؤتمر باندونغ (1) يرى بأنه بداية بناء جسر يربط اقتصاديات إفريقيا بآسيا و بهذا الغرض عمل محور الصناعة على إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية من أجل التفرقة بين أسيا و إفريقيا(2) أو بالأحرى من أجل العمل على فشل ما جاء في مؤتمر باندونغ .
فالنظام العالمي الجديد يظهر بمنطق انهيار الاشتراكية من جهة و ضعف النظام الرأسمالي من جهة ثانية و الأزمات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الدولي عموما بحكم أن الرأسمالية تقتضي استثمار المال بوصفه الوسيلة الوحيدة لدفع عجلة الاقتصاد و يبقى هذا المنطق نظريا معلقا عمليا في البلدان النامية ، أضف إلى ذلك الإفراط في الإنتاج والتفريط في التوزيع فأسباب العالمية كما يعبر عنها مالك بن نبي تتمثل في التطورات الصناعية و المادية التي بلغها العالم .
يرى مالك بن نبي أن الحالة على محور الصناعة ، يجب أن تأخذ في اعتبارها الحالة على محور المادة الأولية لأنهما متكاملان في الاطراد العالمي فإذا انفصلا فربما لا تحل كلتاهما بمفردها المشكلة العالمية ، فالتعايش الاقتصادي على محور القوة يسيطر بدون شك على الحالة العالمية بسبب ما لديه من عناصر النظام الصناعي وعوامل القوة و الإمكانيات المادية ، فهناك دائما وحدة في المشكلة الإنسانية تنبثق من المصير المشترك و سنجد أمامنا ثلاثة حلول مترابطة في الذهن ، الحل الذي يصدر عن سياسة حكومية و الحل الذي يصدر عن حتمية التاريخ التي هي في نهاية الأمر العامل الذي يحدده ويفرضه، فالعالمية هي واقع لعصرنا و غاية محتومة لتطورنا الراهن و ضرورة تفرضها الظروف الصناعية و النفسية التي فرضها العالم و قد دخلت الإنسانية بشطريها المتخلف و المتقدم في عهد العالمية .
ويرى مالك بن نبي أن العالمية في مجراها و في واقعها المادي ، ليست اتجاها عقليا أو سياسيا و إنما هي ظاهرة القرن العشرين ،و إذا كانت العالمية ظهرت بوادرها في منتصف القرن العشرين فليس معنى هذا أنها لا تستمد بعض عناصرها الفكرية و الاجتماعية من أصول بعيدة ، فإنها اتبعت تطور النشاط الإنساني، و البلدان المتخلفة يجب أن تخلق جوهرها الخاص أي طبقا للشروط التاريخية و الجغرافية و بذلك بتجسيد عناصرها النفسية و الزمنية و تحقيق فكرة الاقتصاد الموحد (3).

ففي الوقت الذي تكون فيه البلدان المتخلفة قد حددت وجهتها العالمية و في الميدان الاقتصاد يظهر الاتجاه واضحا للخروج عن المقاييس التقليدية فهناك من يدعو إلى تجاوز النظام الرأسمالي ،و لذلك فالتفكير في مشاكل البلدان النامية و المتخلفة كما يرى مالك بن نبي يستدعي أن تراجع عالم الأفكار التقليدية و هذه المراجعة تهدف إلى إلغاء المسائل الاجتماعية و الثقافية التي تفصل الجماعات الإنسانية على المحورين والتي لها تأثير على الميدان الاقتصادي و محاولة التقارب بين اقتصاديات الشمال و الجنوب .

إن النظام الدولي الاقتصادي الجديد اتضحت معالمه مباشرة بعد انهيار الاشتراكية و عولمة الرأسمالية و الأرضية التي وضع على أساسها هذا النظام الاقتصادي الجديد هي نتاج عمل يدخل في الأسس التي تقوم على أساسها القارة الشمالية أو محور الصناعة ولذلك حسب مالك بن نبي يرى أن هذا النظام الجديد ليس جديدا في مضمونه لأنه سياسة – استعمارية – قديمة و لكي يجد محور المواد الأولية المخرج من دائرة التخلف و عدم الوقوع في فخ العولمة ، أن لا يعتمد هذا المحور على المنظمات الإقليمية التي أنشأها الاستعمار و أملى عليها قراراتها ، بل يجب العمل على التكتـل الـقائم على
هذا النظام الاقتصادي الدولي الذي يمثل محور الصناعة ، و ذلك من خلال استعمال الوسائل المتوفرة و خصوصا النفط و هذا الحل ليس كافيا حسب مالك بن نبي بل هو بداية الطريق للخروج من ظاهرة التخلف التي يعانيها محور المواد الأولية .

ويمكن الإشارة إلى أن التكتلات التي يقرها مالك بن نبي لا تكون مبنية على أساس الإيديولوجية ، فالاقتصاد كعلم مهما كانت طبيعته الإيديولوجية ما هو إلا التطبيق للحضارة ، بمعنى توفير مجموعة من الشروط المعنوية و المادية حتى يسمح لأي مجتمع كان بتوفير كل الضمانات الاجتماعية لكل فرد و لكل بلد و ذلك على أساس التوفيق بين معادلة إنسانية معينة بمعادلة القرن 21 الاقتصادية ، بغية خلق إنسان تنمية جديد من الأساس ، و يرى مالك بن نبي أن العالمية هي التي ترسم خطوط العالم في القرن 21 ، وعليه يجب أن لا يكون العالم المتخلف فئة ، اجتماعية منعزلة ، و من الواجب النظر إلى المشاكل الاقتصادية في طبيعتها البشرية ، وإلا انتهى بنا الأمر إلى نتائج نظرية (4) ، و على هذا الأساس يمكن مسايرة تطور النظام الاقتصادي الدولي الجديد .

المطلب الثاني : تطور النظام الاقتصادي الدولي الجديد
في الوقت الذي كان العالم يمر بثورة في المجال التكنولوجي ، بدأت المطالبة من جانب العالم النامي ، بإعادة النظر فيها يخص توزيع المزايا الاقتصادية بين سكان العالم وتجلى هذا بالمطالبة بإنشاء نظام اقتصادي جديد بحيث كان أكثر من ثلثي العالم لا يحصلون إلا على ثلث الإنتاج العالمي و الكثير مهددون بالفقر ، كما أصبح في مجال العلاقات الدولية لا توجد تفرقة بين ما هو اقتصادي و ما هو سياسي ، فالسائد أن السياسة تعني دراسة السلطة و أن الاقتصاد يهتم بالتبادل ، ولذلك بدأ العالم النامي يطالب بإعادة النظر في علاقات التبادل الدولي وتجلى ذلك في مؤتمر جنيف للتجارة
و التنمية 1964 ، كما بدأت بوادر النظام الاقتصادي العالمي الجديد تظهر بوضوح في قمة دول عدم الانحياز المنعقدة في الجزائر 1973 و هذا ترتب عليه مناقشة حول تجارة المواد الأولية وذلك في دورة للجمعية العامة للأمم المتحدة وصدرفي هذا الشأن قرار إنشاء نظام اقتصادي دولي جديد سنة 1974 م و تضمن برنامج العمل لإقامة النظام الاقتصادي الدولي الجديد(5) المسائل التي لها أهمية في العلاقات الاقتصادية وخصوصا تجارة المواد الأولية ومشكلة الغذاء النظام النقدي العالمي و دوره في تمويل التنمية بالإضافة إلى سياسة التصنيع و انتقال التكنولوجيا و تنظيم الرقابة على الشركات المتعددة الجنسيات و كذا تنشيط التعاون بين الدول النامية .

وفي هذا الإطار يتكلم مالك بن نبي على فكرة الاقتصاد الموحد و بناء التعاون الاقتصادي والخروج من نطاق الاقتصاد القومي المحدود، لبناء التكامل الاقتصادي بين البلدان المتخلفة و النامية لكي يتم تجاوز مشكلة تسويق المواد الأولية و مواجهة القارة الشمالية وفي إطار تطور النظام الاقتصادي يرى مالك بن نبي ضرورة تزامن هذا التطور ببناء الوعي الاقتصادي و التخصص الفني وتوجيه الإطار الاجتماعي نحو فهم حيثيات تطور النظام العالمي الجديد ، كما كان يرى أن العالم متجه نحو العالمية وهذا بعد تنبؤه بانهيار النظام الاشتراكي،لكن مفهوم العالمية يمكن أن يتطابق مع مفهوم العولمة من حيث التطور ولكن يختلفا من حيث أثارهما على البلدان النامية ،في هذا الإطار نتكلم حول التنمية في ظل العولمة.
ولكي تحدد البلدان النامية وجهتها الاقتصادية يجب أن تتخلص من المعامل المقلل الذي ينقص من القدرة التأثيرية من أجل الدخول في اطراد النمو الاقتصادي(6) أي أن التطورالاقتصادي يجب أن يتزامن بشروط تمكن البلدان النامية من الانتقال من المرحلة النباتية إلى الوضع الإيجابي الفعال أي
من الواجب أن نضع المشكلة أولا في مصطلحات البقاء و وضع مشكلة الغذاء في هذا الإطار ، بالإضافة إلى مشكلة التوظيف الكامل للمواد المتاحة فالتوظيف الكامل لهذه العناصر يؤدي بنا إلى أن نتكلم على البلدان النامية كقوة مؤثرة فعلا في العلاقات الاقتصادية الدولية.
المطلب الثالث :العالم الثالث كقوة مؤثرة
بالنظر إلى الرقعة الجغرافية الواسعة و الموارد المادية و البشرية الهائلة يمكن اعتبار العالم الثالث كقوة مؤثرة في العلاقات الاقتصادية الدولية و لكن رغم الاستقلال السياسي الذي حصلت عليه هذه الدول واندماجها في المنظمات الدولية ظلت اقتصاديا عاجزة عن تحقيق الحركية الاقتصادية، لأن محور الصناعة بات يسيطر على البيئة و تشكلها و يضع قواعد للتعامل التجاري و الدول النامية المتخلفة ليست أمامها سوى أن تتعايش و تتكيف مع هذه البيئة ، فمحور القوة كما يسميه مالك بن نبي يستخدم القوة و السلطة و الدول المتخلفة تخضع لقواعد السوق ، بالإضافة إلى أن التقسيم الدولي للعمل أدى إلى احتكار الدول المتقدمة للقطاعات الحيوية ذات الإمكانيات التكنولوجية المتطور (7) .
في حين أن الدول المتخلفة ظلت محتفظة بالقطاعات الراكدة، وذات التأثير المحدود في الاقتصاد ، ولذلك كان يجب تغيير هذه الأوضاع بتدعيم دور الدولة و كذا عن طريق الوعي الاقتصادي، وبالمشاكل التي تعرقل الدول المتخلفة و تقلل من دورها في التأثير على العلاقات الاقتصادية الدولية الحالية و تحسين شروط التبادل التجاري ، للحد من الإجحاف الذي تعاني منه المواد الأولية في السوق العالمية و ضرورة إدراك أهمية الفجوة الموجودة بين محور الصناعة ومحور المادة الأولية و ذلك لمواجهة النظام الجديـد في العلاقات الاقتصادية الدولية والذي من شأنه إعطاء دور جديد للعالم الثالث كقوة مؤثرة من أجل مواجهة تحديات العولمة و ليس مواجهة النظام الاقتصادي التي كانت تطالب به،كما سبق وأن ذكرنا فإن مفهوم العالمية يختلف عن مفهوم العولمة من حيث أن الأولى ضرورة حتمية والثانية حالة تفرضها الظروف الدولية الراهنة.
وإذا اعتبرنا أن العالم الثالث كقوة مؤثرة في العلاقات الاقتصادية الدولية فإن محدودية العالم في مجال النمو أصبحت واضحة فالسكان والإنتاج الصناعي و نعني بذلك الاستثمار يباشران تأثيرات إيجابية على النمو في حين أن الغذاء و الموارد غير المتجددة و تدهور البيئة بها تأثيرات سلبية فأفكار الاقتصاديين حول خصائص الطبيعة و من ثم البيئة، الحقيقة أن الطبيعة ليست دائمة بل هي قابلة للهلاك فالاستهلاك ، و العالم الثالث باعتباره يملك على أراضيه جزءا كبيرا من المواد الأولية ، كالبترول و النحاس التي تملك زامبيا شيلي ، زائير ، بيرو ، أكثر من 70بالمائة و الرصاص الذي يملك العالم الثالث على ثلاثة أرباع ¾ من صادراته و80 بالمائة من صادرات الألمنيوم غير المصنع (8) .
فحرب أكتوبر مثلا و رفع أسعار البترول تدل على إقرار الدول الصناعية بقوة العالم الثالث و تأثيره على محور الصناعة ، فمن اللحظة التي ينشأ فيها اتفاق على إنشاء كتلة المواد الأولية (9) ، كما يعبر عنها مالك بن نبي بتغيير النظام الدولي ، و نظام العلاقات الاقتصادية الدولية و يصبح للعالم الثالث دور كبير في المنظمة العالمية للتجارة ، على اعتبارها وسيلة لتوجيه الاقتصاد العالمي ، أضف إلى ذلك صندوق النقد الدولي و البنك العالمي.
إن قيام نظام اقتصادي دولي جديد يمثل في تقدير البلدان النامية الوسيلة الكفيلة بتغير علاقات السيطرة الاقتصادية القائمة منذ القرن التاسع عشر وقد أعد الاقتصاديون نظريات هامة لتفسير طبيعة العلاقات الدولية(10)، فنظريات الإمبريالية و التبادل اللامتكافئ و أطروحات التراكم على المستوى العالمي وسياسة الحماية كلها تدل على الإسهام الكبير الذي قدمه الاقتصاديون لفهم الأنظمة المعاصرة الكبرى ومع ذلك فإن النظام الاقتصادي الدولي الذي نادت به بلدان العالم الثالث في السبعينات من أجل إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية الدولية، الذي قد يختلف في مضمونه عن الرأسمالية العالمية الحالية.
وضمن ما يسمى بالعولمة قطعت الدول النامية مسافة معتبرة في طريق تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد منذ السبعينيات وحسب مالك بن نبي أيضا، بيد أن كتلة الشمال الغربية عملت على فرض شروط وطرائق أخرى ابتداء من منعطف أزمة البترول 1982م أين استعادت الدول المستهلكة قيادة التحكم في الأسعار، ويمكن القول أن مجهودات البلدان النامية منذ 1973م ذهبت دون تأثير في ظروف العولمة الحالية(11).
المبحث الثاني : عولمة الاقتصاد الرأسمالي وآليات سيطرته
المطلب الأول :مفهوم العولمة الاقتصادية
يمكن تعريف العولمة بأنها تعني بشكل عام اندماج أسواق العالم في ميدان التجارة والاستثمارات المباشرة و انتقال الأموال و القوى العاملة والثقافات في إطار من الرأسمالية و حرية الأسواق ، وخضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى انهيار الحدود الوطنية وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة هي الشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات، وهذا المفهوم للعولمة يختلف عن مفهوم الاقتصاد الدولي (12).
فالاقتصاد الدولي يركز على العلاقات الاقتصادية الدولية في إطار السيادة و قد تكون هذه العلاقات في ميدان التجارة و الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة و لكن يبقى للدولة دورا في إدارة اقتصادها ، فالدولة تشكل العنصر الأساسي في الاقتصاد الدولي وتشكل الشركات الرأسمالية العنصر الأساسي في مفهوم العولمة ، هذه الشركات تشكل قيمة مبيعاتها السنوية تتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول المتوسطة الحجم (2) و بذلك و نظرا لاستثماراتها في الكثير من الدول بصفة مباشرة ، أو غير مباشرة فإنها قادرة على الحد من سيادة هذه الدول و هذا يتم تحت رعاية المؤسسات المالية الدولية ، و المنظمات الدولية مثل المنظمة الدولية للتجارة .
فإذا لم تلتزم دولة ما بهذه السياسة نزحت الاستثمارات غير المباشرة والتوظيفات الأخرى مما يؤدي إلى انخفاض أسعار عملات و أسعار أسهم و سندات الدولة وانخفاض احتياطات مصرفها المركزي من العملات الأجنبية وحدوث إفلاسات مالية عديدة ، مما يضطرها إلى اللجوء إلى صندوق النـقد الدولي وهذا ما حدث في أزمة المكسيك عام 1995 وفي الأزمات المالية التي شهدتها بعض بلدان جنوب شرق آسيا منذ 1997 كماليزيا و أند ونسيا و تايلاند و تايوان و كوريا الجنوبية .
إن ظاهرة العولمة التي يجري الحديث عنها تؤدي بنا إلى طرح السؤال التالي ، هل العولمة قدر كاسح لا مفر منه ؟ و أنه لا بديل عن قبول سياستها و نتائجها في الميدان الاقتصادي . فإذا كان الأمر كذلك ، فلا معنى حينئذ للإجابة عن الأسئلة التي تدور حول التعايش و التحدي من أجل مواجهة زحف العولمة.
ويقول جون مينرد كينز “دعنا نتخلص… من المبادئ الميتافيزيقية والعامة التي تستند إليها من وقت لأخر سياسة الحرية الاقتصادية ، ليس صحيحا أن الأفراد يمتلكون حرية طبيعية في فعاليتهم الاقتصادية ، لا يوجد عقد يمنح حقوقا دائمة للذين يملكون أو الذين يستحوذون ، ليس العالم محكوما من الأعلى بحيث يوجد دائما انسجام بين المصلحة الفردية و مصلحة المجتمع و ليس إدارة العالم هنا في الأسفل تحقق عمليا هذا الانسجام ، ليس استنتاجا صحيحا من مبادئ الاقتصاد أن المصلحة الشخصية المتنورة تصب دائما في خانة المصلحة العامة ، كما أنه ليس صحيحا أن المصلحة الشخصية هي بعامة متنورة ، فعندما يتصرف الأفراد بصورة مستقلة لكي يحققوا أهدافهم فهم في أغلب الأحوال إما جاهلون جدا أو ضعفاء جدا ليحققوا حتى هذه لا تظهر التجربة أن الأفراد عندما يشكلون وحدة اجتماعية هم دائما أقل بصيرة منهم عندما يتصرفون بصورة مفردة … لذلك لا يمكن أن نقر استنادا إلى أرضية تجريدية ، بل يجب أن نقرر استنادا إلى المزايا التفصيلية .. ما يجب أن تأخذ الدولة على عاتقها توجيهه مسترشدة بحكمة المجتمع و ما يجب أن تتركه و بأقل تدخل ممكن للجهد الفردي “(14) .
إن ماهو قائم حاليا في الاقتصاد العالمي الرأسمالي يمثل مرحلة من مراحل تطور النظام الرأسمالي ، هذا التطور الذي هو أكثر تكاملا و اندماجا من الاقتصاد الدولي ومن المعلوم أن النظام الرأسمالي الذي يهدف إلى تعميم الأرباح الخاصة و التوسع و تراكم رأس المال عن طريق الاستثمارات و ظهور المؤسسات الاقتصادية ، إذ لم يتعرض للركود و الكساد المتمثل في أزمات دورية كما ذكر كارل ماركس ومن أهم آليات تحقيق هذا التوسع هو عملية الدمج بين المؤسسات الكبرى و العمل على رسملة الفوائد لزيادة الإنتاج و التجارة .
هذه السمات للنظام الرأسمالي العالمي الراهن هي ما تسمى بالعولمة المالية وفي هذا الإطار تعمل البلدان الرأسمالية على تأمين نظامها عبر تحقيق حرية التجارة الخارجية وحرية انتقال رؤوس الأموال ، بالإضافة إلى المضاربات المالية بالعملات القابلة للتحويل و بالاستثمارات غير المباشرة حيث بلغ الحجم السنوي للمتاجرة بالعملات القابلة للتحويل عام 1995م حوالي 73 مرة حجم الصادرات الدولية من السلع و الخدمات ، هذه المضاربات ليس لها علاقة كبيرة بعملية الإنتاج و التجارة ، كما يضيف نفس المصدر وذلك تحقق عن طريق الحكومات في البلدان الرأسمالية(15).
فكيف ستواجه البلدان النامية أبعاد وتحديات العولمة ؟
المطلب الثانــي : أبعاد و تحديات العولمة الاقتصادية
إن أهم ما ميز القرن العشرين ظهور النظام الاشتراكي إلى جانب الليبرالي كأسلوب أو نمط اقتصادي ينافس نمط الاقتصاد الحر ، إلا أن التعايش بيـن النظامين لم يلبث أن تحول إلى صراع ، انتهى بانهيار النظام الاشتراكي وانتهاء تسيير الاقتصاد المخطط ، ليبدأ في تعميم و نشر مبادئ و أسس الاقتصاد الحر عبر العالم ليسهل التعامل مع الدول الاشتراكية و بالتالي استغلالها و الهيمنة على الدول السائرة في طريق النمو يوضع آليات جديدة إلى جانب المؤسسات المالية الدولية ومن بين هذه الآليات المنظمة العالمية للتجارة التي حلت محل الإتفاقية العامة للتجارة والتعريفة الجمركية – الجات – وبهذا أصبحت الولايات المتحدة تمثل الأحادية القطبية ، لتسيير الاقتصاد العالمي والسيطرة عليه وهي تسعى للحفاظ على هذا الموقع و على النظام الاقتصادي الدولي الجديد، ولكن السؤال الذي يطرح أين موقع البلدان السائرة في طريق هذا النظام الجديد التي سميناها دول القارة الجنوبية؟
فبحلول قواعد اقتصاد السوق ، محل الاقتصاد المخطط ، الذي تميز بالضعف والهشاشة وذلك تحت ضغوطات الواقع المزري الذي وجدت الأنظمة الاشتراكية نفسها فيه بعد انهيارها مباشرة ، و كذلك إثر مساومات صندوق النقد الدولي و البنك العالمي للإنشاء و التعمير ، اللذان أصبحا يسيران بلدان القارة الجنوبية بتوصياتهم المعهودة ، وذلك عن طريق برامج الإصلاحات الاقتصادية المفروضة عليها ، هذه البرامج كانت لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية جد سلبية ، حيث أدت إلى تكسير النسيج الصناعي في بعض البلدان وغلق العديد من المؤسسات الشيء الذي نتج عنه ظاهرة البطالة من خلال التسريح الجماعي للعمال ، بالإضافة إلى أن تطبيق برامج التعديل الهيكلي رافقه تخفيض العملة المحلية لأغلبية هذه البلدان و بالتالي تدني القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة ، فقد فشلت هذه الإصلاحات في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لتلك البلدان (16) .
هذه المشاكل أغرقتها في فخ المديونية التي تستعمل كأداة فاعلة للضغط عليها فصد تحقيق الأهداف والسياسات المسطرة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإنشاء والتعمير الخاضعين لإدارة محور الصناعة و بالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية و على إثر إفلاس معظم البلدان التي انتهجت الاشتراكية بدأ يلوح في الأفق ما يسمى بالرأسمالية العالمية .
المطلب الثالث : الرأسمالية العالمية
يمكن القول أنه بعد حوالي قرنين من الزمن ظهر التناقض و الخلاف واضحا بين الاشتراكية و الرأسمالية و مع نهاية القرن العشرين و انهيار الاتحاد السوفيتي ، بدت الرأسمالية و كأنها نظاما للتعامل الاقتصادي بدون منازع و باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية دولة رأسمالية في العالم فأصبحت لها القدرة على الإنماء الاقتصادي على الصعيد العالمي لكونه يغذي النمو الاقتصادي و لذلك عملت على نشر اقتصاديات رأسمالية في بلدان أخرى ، بالإضافة إلى إقامة مؤسسات اقتصادية رأسمالية على نطاق عالمي و هذا بدأ من اتفاق ” بريتون وودز ” ، كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء و التعمير ، تم اتفاقية الجات GATTالتي حولت في سنة 1995 إلى المنظمة العالمية للتجارة ( (OMCو غيرها من المؤسسات الاقتصادية العالمية .
بزوال الاشتراكية أصبحت الرأسمالية نظاما عالميا و تجسد ذلك باستعادة تفوقها في مجال صناعتي السيارات و الكومبيوتر(17) بالإضافة إلى نفوذها في الأبحاث في حقل التقنية الرفيعة والتطوير و بذلك أصبحت تسيطر على الأسواق العالمية لبرامج الحاسوب و شبكة الاتصالات العالمية . بذلك أصبح العالم الثالث في ظل العولمة يواجه ثورة تكنولوجية حادة ، فما العمل ؟
لكن الرأسمالية العالمية في إطار ما يسمى بالعولمة ليست مطلقة ، بل الاقتصاد العالمي متعدد الأقطاب ، فمعمل اقتصاد أوربا الغربية أضخم من الاقتصاد الأمريكي ، فمجمل اقتصاد أوربا الغربية أضخم من الاقتصاد الأمريكي و كذلك اقتصاد منطقة شرق آسيا فالاقتصاد الرأسمالي العالمي له دور مركزي في القرن 21 م وخصوصا باستكمال آليات سيطرته .
ويرى الاقتصاديون إن ما يميز هذه المرحلة هو سعي مختلف الدول من أجل تحقيق رفاهيتها المادية بواسطة الاندماج اقتصادي لمختلف الدول في الاقتصاد العالمي و في هذا الصدد يمكن تصنيف البلدان انطلاقا من مؤشرات اقتصادية (18)،فالدول المصنعة الرأسمالية هي الدول التي توصلت إلى امتلاك مقدار كبير من القدرة على إنتاج السلع والخدمات و تستخدم تكنولوجيا متقدمة في قطاع الفلاحة واستخراج المواد الأولية ،والبلدان النامية هي التي تحتل الزراعة و المواد المنجمية مكانة في القطاع الإنتاجي و التي هي بصدد اكتساب قدرة الإنتاج الصناعي (19) .
وعليه وحسب الاقتصاديون فإن العنصر المحدد للتجارة الدولية يكمن في الفجوة التكنولوجية القائمة بين البلدان ، بحيث أصبح في عهد الرأس مالية العالمية يتم تصدير سلعا ذات كثافة من حيث التكنولوجيات الجديدة من طرف البلدان الصناعية، و بذلك بدأ توسع محيط التداول و تكوين السوق العالمية الذي يساعد ويحقق إمكانية بيع بضائع رأس المال على المستوى العالمي(20).
المطلب الرابع : استكمال آليات السيطرة
إذا كانت مؤسسات بريتون وودز قد شرع في إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية بتأسيس صندوق النقد الدولي و البنك الدولي للإنشاء والتعمير، فإن آليات سيطرة الرأسمالية العالمية ، لم تستكمل إلا سنة 1995 ، التي دخلت فيها اتفاقية الأورغوي حيز التنفيذ بعد التوقيع عليها في 1994 بمدينة مراكش المغربية ، و التي حلت محل الإتفاقية العامة للتجارة و التعريفة الجمركية وقد تضمنت اتفاقية الأورغوي إنشاء المنظمة العالمية للتجارة التي تكمل مهمة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير.
والمعروف على صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ،أنهما وجهان لعملة واحدة هدفها التحكم في اقتصاديات البلدان السائرة في طريق النمو عن طريق إعانة تسيير النمو بطريقة عادية ، من خلال البرامج الإصلاحية وإخضاعها لسياسات الدولة المتقدمة بطرائق متباينة ، في حين تعمل المنظمة العالمية للتجارة التي حلت محل الجات على جلب الأرباح للبلدان الكبرى عن طريق الهيمنة على العلاقات التجارية مع الدول الضعيفة ولاسيما في ميدان الزراعة والذي سبق و أن قلنا في الفصل الأول بأنها تعبر عن ثديا الاقتصاد المشترك الموحد مع المواد الأولية الخام .
والملاحظ أن دول القارة الجنوبية و المنتمية إلى مجموعة “77 ” غير راضية عن المنظمة العالمية للتجارة التي تحولت إلى محكمة دولية تسن قوانين لإدارة التجارة الدولية وإقصاء القوانين المحلية ، الشيء الذي يعيق ويعرقل التجارة الدولية و لصالح الدول الصناعية وهناك خلافات حتى بين الدول الكبرى بشأن عدم التزام بعضها بقواعد اتفاقية الأورغواي و خاصة تلك المتعلقة برفع الدعم عن المنتجات الزراعية وهذا الخلاف ظهر واضحا في الندوة الوزارية للمنظمة العالمية للتجارة بمدينة سياتل الأمريكية في نهاية 1999 ، بحيث فشلت في تقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي ، بحيث استمر الخلاف حول الملف الزراعي و السياسات الحمائية (21) .
كما عجزت عن الاستجابة لمطالب الدول النامية التي تشكل أغلبية أعضاء المنظمة ، حيث همشت و أبعدت انشغالاتها عن المناقشات وأصبحت هذه الدول خاسرة في علاقاتها التجارية مع البلدان الغنية ، التي ترفض فتح أسواقها لصادرات تلك الدول وهذا على عكس تصريحات المدير العام للمنظمة العالمية للتجارة و الأمين العام للأمم المتحدة اللذان أكد قبل انطلاق أشغال تلك الندوة على ضرورة إلغاء القيود المفروضة على منتجات
الدول النامية و فتح الأسواق أمامها وحسب منشورات البنك العالمي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية فإن تحرير المبادرات للعشرية القادمة 1997 – 2007 تحقق للدول المتقدمة ربحا قدره 450 مليار دولار و 170 مليار دولار لدول أوربا الشرقية ومن خلال الإحصائيات التي تشير إلى أن صادرات القارة الإفريقية بأكملها لا تمثل سوى 1% من المبادلات التجارية العالمية وحصة الجزائر داخل هذه النسبة لا تتعدى 4%(22) .
وفي دراسة حديثة للبنك الدولي فإن المنتجات الصناعية تحظى بتخفيضات كبيرة على عكس المنتجات الزراعية (23) وفي هذا السياق يجب على القارة الجنوبية تدعيم الحوار والتعاون جنوب جنوب من أجل مواجهة زحف العولمة و عن طريق تدعيم دورها داخل المنظمة العالمية للتجارة على اعتبار أن البلدان النامية تشكل الأغلبية داخل هذه المنظمة ، بغية الخروج من دائرة التخلف وعدم الوقوع في فخ العولمة .
لكن مبادئ النظام التجاري المتعدد الأطراف ، الذي أصبحت تشرف المنظمة العالمية للتجارة و المؤسسات المكملة لدورها مفروض من قبل البلدان الرأس مالية ،يجسد هيمنة الأطراف القوية و يكرس أولوية مصالحها على حساب البلدان النامية وهذا يعني بأن آليات النظام التجاري المتجدد سيؤدي إلى المزيد من التوزيع غير المتوازن للثروات و مكاسب النمو وتكاليف التحولات الاقتصادية في القرن الواحد والعشرين فالنظام التجاري المتعدد الأطراف الحالي يرتكز في أسسه الإيديولوجية على المذهبية الرأسمالية (24) لكن النظام التجاري الدولي السائد لا يوفر ضمانا لحصول البلدان النامية على حصة عادلة في التجارة الدولية أو حماية معقولة لمستوى أسعار منتجاتها في أسواق البلدان الصناعية و هذا من خلال مؤتمر التجارة والتنمية(25).
المبحـث الثــالث : مظاهر العولمة الاقتصادية
المطـلب الأول : البلدان النامية و مشكلة العولمة
إن موضوع العولمة أصبح يشغل مساحات من الفكر الاقتصادي ، على اعتبار أن العولمة ظهرت بانهيار الاشتراكية و ظهور السياسات الليبرالية الحديثة التي توحي بالعودة إلى الماضي السحيق للرأسمالية و ذلك بعد مدة طغت فيها الأفكار الاشتراكية ومبادئ العدالة الاجتماعية . هذه السياسة الجديدة و حسب الاقتصاديين (26) فإنها تهدم كل ما حققته الدول النامية و المتخلفة عموما و الطبقة العاملة على الخصوص في مختلف أنحاء العالم من مكتسبات و خصوصا فيما يخص ابتعاد الحكومات عن التدخل في النشاط الاقتصادي و التعاون في توزيع التدخل بالإضافة إلى عدة أمور تبدو و أنها بدأت تظهر على ملامح الحياة الاقتصادية في مطلع القرن الواحد و العشرين كزيادة البطالة وانخفاض الأجور و تدهور مستويات المعيشة و تقلص الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة كالصحة و التعليم .
إذا ما سارت الأمور على منوالها الحالي مع إطلاق آليات السوق وتجاهل مشكلات القارة الجنوبية فإن الوضع سيزداد خطورة وخصوصا عندما نرى أن بعض الأفكار المضادة للعدالة الاجتماعية و التي بدأت تلوح في الأفق ، بأن مراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء أصبحت عبئا لا يطاق بالإضافة إلى أنه على كل دولة أن تتحمل جزءا من التضحية في مجال المنافسة الدولية وشيء من اللامساواة بات أمرا لا مناص منه(27).
هذه الأفكار التي يروج لها منظرو العولمة وجدت لها انعكاساتها الواضحة في السياسات الاقتصادية الرأسمالية الحديثة فحسب ” هانس- بترمارتين و شومان هارالد ” أن في القرن الواحد و العشرين سيكون هناك 20 % من السكان الذين يمكنهم العمل و الحصول على العيش و الدخل ، أما النسبة الباقية 80% تمثل السكان الفائضين عن الحاجة الذين لا يمكنهم العيش إلا عن طريق التبرعات و الأعمال الخيرية (28) بالإضافة أن 20% من اليد العاملة تكفي في القرن الواحد و العشرين للحفاظ على النشاط الاقتصادي الدولي ولا تكون هناك حاجة لليد العاملة أكثر من هذه النسبة التي ستكفي لإنتاج السلع و الخدمات التي يحتاج إليها المجتمع العالمي و هذه النسبة التي تقوم بالإنتاج و الكسب و الاستهلاك و لكن النسبة المتبقية سوف تواجه مشاكل عظيمة في مجال العمل و إن كانوا يرغبون في العمل وهذا حسب الكاتب الأمريكي جريمي ريفكن ، في كتابه نهاية العمل (29) .
بالإضافة إلى أن المساعدات الاجتماعية غير واردة في ظل المنافسة التي تفرضها العولمة و في ظل هذه الأوضاع فإن أهمية رأس المال يكون لها شأن كبير و ذلك بالضغط على الحكومات من أجل فرض بعض القواعد للتحكم في السوق،كإلغاء بعض التشريعات التي تحقق مكاسب للعمال مثل إعانات البطالة و خوصصة المؤسسات العامة وتحويل بعض الخدمات العامة التي تقوم بها الدولة و هذا يدخل حسب منطق رؤوس الأموال في إطار الحتمية الاقتصادية الشبيهة بالأحداث الطبيعية وكل هذا تم في إطار استكمال آليات السيطرة الرأسمالية العالمية بالتوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تقر بأن التجارة العالمية تبدو و كأنها في نمو مطرد يستفيد منه الجميع وهذا كما يرى أنصار أفكار الليبرالية الحديثة و مروجو العولمة .
وفي ظل هذه التناقضات التي يشهدها الاقتصاد العالمي و باستكمال آليات السيطرة بالنسبة للاقتصاد الرأسمالي،سوف تكون المساعدات التي كانت تقدم من قبل محور الصناعة إلى محور المادة الأولية لا وجود لها(30) و تجاهل محور الصناعة لمشكلات البلدان النامية و بالخصوص مشكلة القارة الأفريقية،أضف إلى ذلك زيادة دخول هذه البلدان في فخ المديونية الخارجية.
ومع ما يسمى بالعولمة الرأسمالية، فإن الفروقات والفجوة بين محور الصناعة و محور المادة الأولية سوف تزداد اتساعا، بحيث هناك 20% من سكان العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي الإجمالي و على 84% من التجارة العالمية و هذه الفجوة بين المحورين و التفاوت الشاسع في توزيع الدخل يقابله تفاوت داخل كل بلد و سوف يصبح هذا التفاوت أكثر حدة، كما أن هذه الفئة المسيطرة على الثروة العالمية تملك 85% من مجموع مدخرات العالم، بالإضافة إلى زيادة السيطرة على المادة الأولية، بحيث يتم استهلاك 85 % من الاستهلاك العالمي للخشب و 75% من الحديد والصلب و نحو 70%من الاستهلاك العالمي للطاقة الذي سوف يصل إلى ضعف هذا الاستهلاك في سنة 2020م و هذا حسب الخبراء(31).
وفي ظل هذه الأوضاع صار التدهور الاقتصادي و التدمير البيئي والانحطاط الثقافي، هي الأمور التي تخيم بطابعها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلدان النامية، هذه الأرقام توحي أيضا بزيادة اتساع الفجوة بين المحورين، كما تتحمل المحور النامي عواقب التلوث البيئي.
المطلب الثاني : تحرير أسواق رأس المال.
إن العولمة كما سبق الذكر ارتبطت بالسياسات الليبرالية الحديثة، و ذلك بتحرير الأسواق المالية و النقدية و التخلي عن الضوابط التقليدية التي كانت تسير العمل المصرفي و النظم النقدية وأصبح العالم في قبضة مجموعة من المضاربين الذين يتاجرون بالعملات و الأوراق المالية، مستخدمين في ذلك الأموال التي توفرها صناديق الاستثمار الدولية، و صناديق التأمين و المعاشات و البنوك ، هذه الأمور كما يشير بعض الخبراء في عالم المال تسببت في العديد من الأزمات و هذا يتم وفقا للقوانين التي أقرتها البلدان الصناعية في إطار تحرير الأسواق المالية و النقدية وتحت ضغط صندوق النقد الدولي و من اجل التضحية بالعدالة الاجتماعية و خوصصة المؤسسات و إطلاق سعر الصرف و الانفتاح على الأسواق المالية و تقليص الإنفاق الحكومي.
البلدان النامية أصبحت خاضعة لهذه الضغوطات عن طريق المنظمات المالية وذلك لعجزها عن تسديد ديونها الخارجية و اعتمادها المستمر على الاستثمار المالي وطلب رؤوس الأموال من البلدان الصناعية و في هذا الإطار دائما أصبحت البلدان تنافس من اجل تخفيض تكلفة الإنتاج و لذلك وجدت نفسها مجبرة على تسريح العمال و أدت حرية انتقال رؤوس الأموال عبر الحدود إلى زيادة البطالة والتفاوت في توزيع الثروة و زيادة ساعات العمل وتخفيض الأجور بحجة تهيئة الشعوب لمواجهة سوق المنافسة الدولية وإبعاد الدول عن التدخل في الحياة الاقتصادية و تجاهل البعد الاجتماعي .
هذه المعطيات سوف تضع البلدان في مواجهة مشاكل اجتماعية واقتصادية أخرى في مطلع القرن 21 هذا ناتج عن إفرازات الرأسمالية العالمية و من جراء هذا التطور في البورصات و الأسواق النقدية العالمية تكون البلدان في موقـع يصعب التحكم فيه إذا ما حدث انهـيار في الاقتصاد العالمي وطغيانه المدمر للعدالة الاجتماعية و إساءته للبيئة ،لأن العولمة في أسواق رأس المال تعني أمركة العالم(32)إلى حد ما.
ومن أخطر ما نجم عن عولمة الأسواق المالية للبلاد النامية هو تدويل مدخراتها الوطنية(33) بمعنى هروب الأموال الوطنية للخارج و رغم أنها ظاهرة قديمة في البلدان النامية و تعد أسبابها و تنوع أشكالها، إلا أن إجراءات التحرير المالي المحلي و الدولي التي نفذتها هذه البلدان في عقد التسعينيات قد تنجم عنها ظاهرة سلبية مثل حالة ميزان المدفوعات وكذا على قدرة البلد على التراكم و الاستثمار و على خدمة ديونه الخارجية وعلى التدفق الصافي لرؤوس الأموال الأجنبية.
أضف الى ذلك هناك مخاطر أخرى تنجم عن تحرير أسواق رؤوس الأموال وعولمة الأسواق المالية و تمثل في دخول الأموال القذرة بمعنى غسيل الأموال وهو محاولة إخفاء المصدر غير الشرعي الذي تحققت في إطار عمليات بناء وتراكم الثروات (34) ،ولذلك فلا يمكن الحديث عن المزايا المتوقعة عن العولمة المالية ،بل يجب الإحاطة أيضا بالمخاطرالتي تنجم عنها ويمكن الإشارة هنا الى أن العولمة المالية تؤدي الى حدوث تدفقات كثيرة لرؤوس الأموال طويلة الأجل و هذا أمر مرغوب فيه (35).
المطلب الثالث :دور الدولة في البلدان النامية في إطار العولمة
إن التعريف السابق للعولمة على أن العنصر الأساسي لإدارتها هو الشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات و التي تعني كل مؤسسة من بلد معين لها نشاطات مستقرة و خاضعة لرقابتها في بلدين أجنبيين على الأقل و تحقق في هذين البلدين أكثر من 10 % من رقم أعمالها (36)،وليست الدولة كما هو الشأن في الاقتصاد الدولي،هذا يوحي بأن دورالدولة قد تلاشى في ظل العولمة، لكن الخبراء يرون انه ما تزال الدولة تقوم بدور كبير في الاقتصاديات الوطنية على الأقل في نهاية القرن العشرين وكمؤشر في دورها في المجال الاقتصادي بأنه في خلال 1995 أنفقت الدولة في أمريكا 33% من ناتجها المحلي الإجمالي و في ألمانيا 49%، كما أن حجم الدولة في كثير من الدول مازال لها شأن كبير، بحيث إنفاق الدولة يؤدي إلى سيطرتها على جزء كبير من موارد المجتمع و إلى توجيه هذا الجزء لتحقيق الأهداف التي ترغب فيها(37).
بالإضافة إلى أن أغلب الشركات الدولية شركات توجد معظم أصولها في الدولة الأم و إن حوالي 75% من القيمة المضافة من إنتاجها العالمي يتم في موطنها الأصلي بالإضافة إلى ما يتعلق بانتقال قوة العمل البشري هناك قيود من طرف الدول الرأسمالية و ضعت للحد من حرية هجرة قوة العمل البشري، أضف إلى ذلك أن ما يسمى بالعولمة المالية لا تشمل اغلب دول العالم فأغلب دول العالم و خصوصا العالم الثالث لا تسمح بحرية تحويل عملاتها المحلية إلى عملات أجنبية و لا تسمح لمواطنيها بالاقتراض من مستثمرين أجانب عبر إصدار سندات أو أسهم و بالمقابل لا يمكن للمستثمرين الأجانب شراء سندات أو أسهم كهذه إذا لم يكونوا قادرين على بيعها متى يشاءون وإلى تحويل قيمتها إلى العملة الأجنبية المرغوب فيها(38).
ومن جهة أخرى فان التكامل الاقتصادي في ظل العولمة يتزامن مع أفكار اقتصادية لأنصار الليبرالية الحديثة التي تنادي بعدم تدخل الدولة إلى جانب تحرير التجارة و حرية تنقل رؤوس الأموال و خوصصة المؤسسات العمومية، هذه تعتبروسائل استراتيجية في متناول المنظمات الدولية المالية، وهنا يجب ملاحظة أن دعوة مروجي العولمة الاقتصادية إلى تخلي الدولة في البلدان المتخلفة عن جزء كبير من الاقتصاد وكذا ترك حرية حركة الشركات متعددة الجنسيات في أراضيها ،وإقامة مناطق حرة تتناقض في الواقع مع ما تقوم به الدولة في بلدان هؤلاء المروجين ، حيث يزداد توجيهها للاقتصاد أوعلى الأقل لعب دور المشرف والموجه والمدافع عن مصالح شركاتها ومواطنيها المتعاملين في الجنوب ،هذا المنطق واضح في وسائله المستعملة وهي طرائق تسمح لدول الشمال بإمكانية الوصول وبأكثر سهولة إلى مصادر الموارد الاقتصادية وعلى رأسها الطاقة ،هذه العناصر في الواقع ليست جديدة في الاقتصاد الرأسمالي لأنها ولدت معه أو على الأصح ولد على أساسها (39).
هذه التطورات لا تمنح فرصا للبلدان النامية والمتخلفة للتطور على نحو يتزامن مع متطلبات العولمة إذا لم تتدخل الدولة في بعض المجالات و بالتالي فان نجاح هذه البلدان يتطلب عملا متزامنا في الميدان الاقتصادي و يتمثل في إصلاح الجانب السياسي(40) و لذلك وجب إصلاح الدولة و إعادة أولوية السياسة على الاقتصاد.
إن مظاهر العولمة الاقتصادية توحي بان كل بلد لم يعد يهتم إلا بما يحتاجه لان المساعدات التي كانت تقدمها البلدان الصناعية للبلدان النامية هي في انخفاض مستمر، بالإضافة إلى ارتفاع المجموع الكلي للمديونية بالنسبة للبلدان النامية، ففي سنة 1996 ارتفعت الديون لتصل إلى 1.94 ألف مليار دولار بحيث ارتفعت ضعف ما كانت عليه قبل 10 سنوات وأصبحت القارة الشمالية تتجاهل مأساة القارة الجنوبية.
المبحث الرابع: تحقيق اقتصاد التنمية بدول الجنوب في إطار العولمة
المطلب الأول: ضرورة وجود رؤية استراتيجية للبلدان النامية
إن العولمة الاقتصادية هي حصيلة استراتيجيات وسياسات وإجراءات اقتصادية تحركها المصلحة و يتجلى ذلك بإعادة تشكيل النظم الاقتصادية في صورة اقتصاد السوق ومن جهة عولمة السياسة الاقتصادية بإعادة صياغتها وفق شروط المنظمة العالمية للتجارة و نجد عولمة أسواق السلع والخدمات والمال والنقد و تمويل الاستثمار(41).
وإذا تأملنا العولمة بمعانيها و أبعادها الاقتصادية نجد أن التبادل لا يقتصر على فائض الإنتاج و إنما التبادل أضحى يمثل مكونا لاغنى عنه لاستمرار الإنتاج، سواء كان متكافئا أو غير متكافئ، و هذا ما يعمق الفجوة بين اقتصاديات كل من البلدان النامية و البلدان المتقدمة ،وتهميش اقتصاديات الجنوب بما في ذلك الاقتصاديات النفطية.
ولذلك وجب ضرورة البحث عن الكيفية التي من خلالها يمكن تقليص الفجوة بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة أو بين القارة الشمالية و القارة الجنوبية و كيفية الارتقاء بآليات التأقلم الإيجابي مع مخاطر العولمة والعمل على تعظيم القدرة التنافسية حتى تتضاعف مكاسب العولمة،ويمكن الإشارة هنا إلى أن تقليص قيود و مخاطر وخسائر العولمة والتهميش، قد أصبح مرتبطا إلى حد كبير بقدرة البلدان على زيادة حصتها من الثروة العالمية بمعنى بقدر ما يحققه البلد من قيمة مضافة عبر مشاركته في المصنع العالمي(42) .
إن البلدان النامية سوف تواجه تحديات خاصة إذا لاحظنا أن تحرير الأسواق يتسارع و خصوصا انتقال قوة العمل و نقل التكنولوجيا بالإضافة إلى تقليص دور الدولة في المجال الاقتصادي و لصالح قوى العولمة في وضع السياسة الاقتصادية الوطنية بما في ذلك تحديد معدلات الاستثمار والنمو الاقتصادي و مستويات التشغيل و البطالة، كل هذه الأمور سوف تواجه البلدان النامية في ظل العولمة.
لكن هل تملك البلدان النامية رؤية استراتيجية لمواجهة تحديات العولمة؟
في هذا الإطار يجب على البلدان النامية أن تبحث في الوسائل التي تسمح لها بوضع الخطوط العريضة لحركاتها نحو المستقبل ،وهذا لا يتم إلا بدراسة وضعيتها الحالية من جهة وما توفره العولمة الاقتصادية من مزايا ممكنة وأيضا المخاطر،وببذلها مجهودا في هذا المجال يمكن لها أن تحسم فكريا وسياسيا بين خيار التأقلم بشكل إيجابي مع عملية العولمة، او المواجهة السلبية للعولمة،وبمفهوم آخر إما أن تتفاعل إيجابيا مع العولمة بما يقلص خسائرها و يعظم مكاسبها، وإما العكس وبذلك سوف تتعاظم الخسائر بالنسبة للبلدان النامية و خصوصا أن النظام العالمي الجديد بأبعاده الاقتصادية و غير الاقتصادية حدثت فيه تغيرات كبيرة في العديد من المجالات سواء كان ذلك في هيكل الاقتصاد أو النظم الاقتصادية.
فلقد ترتبت التحولات في هيكل الاقتصاد العالمي على إنجازات الثورة العلمية و التكنولوجية التي زادت في تهميش كتلة المواد الأولية، أما فيما يخص التحولات في النظم الاقتصادية العالمية فقد تجلت في عالمية الرأسمالية و تجديد اقتصاد السوق و انفتاح اقتصاديات البلدان النامية، هذه التحولات زادت من عمق الأزمة في الكثير من البلدان النامية و نلاحظ ذلك في أواخر عقد التسعينات في إعادة عصر النفط الرخيص و بما يترتب عليه من خسائر في الاقتصاديات النفطية، و قيود نقل التكنولوجيا من جانب القارة الشمالية،كل هذا يتم مع استمرار شروط التبادل غير المتكافئ و تهميش البلدان النامية المصدرة للمواد الأولية.
ومن جانب آخر نلاحظ استكمال آليات النظام الرأسمالي العالمي وانفرادها بقيادة الاقتصاد العالمي كما يلاحظ ان دور صندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي قد أصبح شاملا للعالم، بينما تعاظم دور المنظمة العالمية للتجارة، كما نجد التكتلات الإقليمية تسعى إلى التأقلم الإيجابي و هذا ما نلاحظه في حالة الاتحاد الأوروبي، أما البلدان النامية نلاحظ القصور في التفكير و في الخطاب الاقتصادي و قصور في القوى التي من شأنها تعزيز قدرة اقتصاديات البلدان النامية، كما نشير إلى ضعف التوجه العملي لإقامة التكتلات الاقتصادية بين البلدان النامية للتأثير الإيجابي على التطورات الاقتصادية وعلى الخريطة الاقتصادية العالمية(43) ،يمكن الإشارة إلى أن بعض التكتلات العربية مثل مجلس التعاون الخليجي ،واتحاد المغرب العربي وعدة تكتلات إقليمية في إفريقيا لا تلعب دورا هاما داخل المنظمات المالية الدولية وحاليا ليس لها تأثير على العلاقات الاقتصادية الدولية .
وقد ارتبطت التحولات الاقتصادية بظهور أولويات اقتصادية عالمية جديدة و في مقدمتها تحدي التقدم العلمي التكنولوجي و تغيير الدور الاقتصادي للدولة واحتدام المنافسة الاقتصادية العالمية و في هذا الإطار نلاحظ غياب برامج للدول النامية للارتفاع بفعالية وكفاءة عوامل الإنتاج خاصة العمل و تعظيم الاستفادة من القدرات التنافسية وهنا يجب الإشارة بان مالك بن نبي يركز على العمل وعلى توحيد عناصر الإنتاج من اجل إنجاح الخطط التنموية (44)
أضف إلى كل هذا فان هذه التحولات انعكست في إعادة صياغة الفكر الاقتصادي العالمي بنظرياته و مفاهيمه و من اجل مواجه التحديات الجديدة، نعطي هنا الأهمية البالغة للفكر الاقتصادي عند مالك بن نبي من اجل العــمل على كيفية الاستفادة منه، تحقيق غايات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإعطاء أهمية للتنمية البشرية، أي إعطاء قيمة فعالة للعنصر البشري لتحقيق التنمية المتواصلة، لكن ما يلاحظ أن البلدان النامية لم تكن تضع قضايا التنمية البشرية و التنمية المتواصلة في أولويات مفاهيم التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بغية تحقيق الحركية الاقتصادية في إطار تحديات عولمة الاقتصاد و الإنتاج المتكافئ في الاقتصاد العالمي الجديد(45) وفي وقت متأخر من ثمانينيات القرن العشرين اتجهت عدة بلدان إلى هذا الجانب لإنشاء معاهد للإدارة والعلوم المتخصصة في الإدارة والتسيير وفتح مراكز بحوث متعددة تعمل في مواضيع هذا الميدان هذه المجهودات لم تعط النتائج المنتظرة منها ،وهذا التأخر راجع إلى القصور في الوعي الاقتصادي لدى الطبقة أو النخبة المتفقة في الميدان الاقتصادي و قصور تفسيرها و اعتمادها على الحلول الجاهزة المستوردة للمشاكل الاقتصادية الموجودة في القارة الجنوبية.
يعتبر تحديد الاستراتيجية العامة للتنمية الاقتصادية و الاجتماعية اختيارا بين إمكانيات بديلة تتنوع باختلاف البلدان المعنية فحسب الخبراء في الميدان الاقتصادي (46)، فليس هناك برنامج إنمائي واحد يصلح لجميع البلدان النامية و ما قد يكون ملائما و فعالا في بلد ما قد لا يكون كذلك في بلد آخر أي يحتاج كل بلد إلى سياسات خاصة تلائم مميزاته و مشاكله و أهدافه وهذا ما أكد عليه مالك بن نبي و تحديد الاستراتيجية العامة للتنمية –مسألة في غاية الأهمية-وكذلك يركز بعض الاقتصاديين على أن تكون التنمية مبنية على أساس مجموعة من الإجراءات أو الشروط (47)، و أهمها تحديد المشروع الاجتماعي والعمل على تحقيق توازن و تكامل بين القطاع العام و القطاع الخاص بما يضمن تحقيق أهداف التنمية.
المطلب الثاني: اقتصاد التنمية في الدول النامية
يتلازم معنى العولمة في مضمار الإنتاج، التبادل المادي مع معنى الانتقال من المجال الوطني إلى المجال الكوني، غير أنه ينطوي على تعيين زماني أيضا، ما بعد الدولة الوطنية التي أنجبها العصر الحديث إطارا كيانيا لصناعة أهم وقائع التقدم الاقتصادي(48)، فليست العولمة سوى السيطرة الاقتصادية لمحور القوة على سائر الاقتصاديات النامية، بمفهومها الحالي هي الدرجة العليا في علاقات التبعية و الهيمنة الاقتصادية، و هي كما يرى مروجوها لحظة الانتصار للنظام الرأسمالي العالمي و هي نظام يبتلع اقتصاديا البلدان النامية(49)، عن طريق المنظمة العالمية للتجارة والهيئات المالية الدولية .
كما أشرنا إليه فإن مالك بن نبي يرى أن المشكلة التي تطرح بالنسبة للبلدان النامية ليست مشكلة اقتصادية بالمفهوم الضيق للمصطلح و لكنها مشكلة نفسية و ثقافية قبل ان تكون اقتصادية، فعلاقات الديناميكية الاجتماعية عي التي تفرق بين بلد متطور بلد متخلف، لان التنمية حاليا محدودة بمجال جغرافي و هي تعكس مجالا ثقافيا معينا فالتنمية بمفهومها لدى البلدان النامية هي المادة و التكديس-في الواقع العملي- و هي تنمية قاصرة لان المنهج المستخدم في عملية التنمية يتضمن الأشياء و الإنسان و كان ينقصه البعد الخاص بالأفكار.
فالواقع أن المجتمع الذي لا يتنح أفكاره الخاصة الموجهة لا يمكنه أن يصنع إنتاجه الاستهلاكي و لا أدواته الخاصة بالتجهيز ، ان العملية الاقتصادية ليست مجرد أموال و خبرة و تنظيم بل هي قبل ذلك ترتبط بأجهزة نفسية في المعادلة الشخصية لدى الفرد الذي يفكر في الخطط وهو الذي ينفذها وهذه المعادلة كما يرى مالك بن نبي ليست من المعطيات البسيطة التي تجدها تلقائيا في الجهازالميكانيكي الذي نشتريه و لكنها شئ يكتسب جنبا إلى جنب مع تكوين الفرد و ثقافته هذا الجانب التربوية الذي تنقص البلدان النامية.
فالفشل الكبير لمعظم محاولات البناء في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية يعود الى التناقض او الانقسام الموجود لدى حياة الفرد أفقيا و رأسيا داخل البلدان النامية و عدم اختيار النموذج الذي من خلاله يمكن تعبئة الطاقات الاجتماعية وتتوحد حوله الجهود في إطار من الفعالية الشاملة لتحقيق اقتصاد التنمية و لكن المشكل الذي يطرح في هذا الإطار هو مشكل القوت في البلدان النامية، قبل مشكل المواجهة للرأسمالية العالمية فمن الناحية النظرية لا يمكن تحقيق اقتصاد التنمية بطريقة مستقلة عن اقتصاد متين لتحقيق اقتصاد القوت(50) فالصلة بينهما وثيقة و لن يتحقق هذا التوفيق بينهما إلا عن طريق الاستثمار الاجتماعي(51)، إلا أن الاستثمار الاجتماعي كوسيلة للتنمية بالنسبة للبلدان النامية غير ممكن في ظل العولمة حسب البعض،فالقارة الشمالية التي تسيطر على ثروات القارة الجنوبية ورطتها في تصدير المشاريع الجاهزة مقابل السيطرة على المواد الأولية.
فالبلدان النامية أمامها أسلوبان لتحقيق اقتصاد التنمية إما الاعتماد على الاستثمار المالي بالوسائل المالية و هو استثمار كلاسيكي أثبتت البلدان النامية عدم نجاحها فيه و هنا يكمن المشكل أمام تدفق رؤوس الأموال بحيث سوف تصادف هذه البلدان مشكلة البحث عن الأموال من اجل الاستثمار و الاعتماد على رأس المال في التراكم من اجل رفع متوسط الدخل الفردي.
وفي هذا الإطار كم يكون مبلغ الاستثمار المالي لتحقيق اقتصاد التنمية المرغوب فيه في ظل التطورات الدولية، ان التخطيط و الاستثمار على الطريقة الكلاسيكية أي بالوسائل المالية يجعل مهمة هذه البلدان تدخل في مأزق اقتصادي و يجعل خطط التنمية مرتبطة برأس المال الأجنبي و شروط سياسية واجتماعية تجعل البلدان لا تحافظ على الترابط الاجتماعي و الثقة المطلوبة بين الطبقات الاجتماعية داخل المجتمعات النامية ، ونجد اليوم الدول المغاربية و مصر و الدول الإفريقية تقوم باتصالات و مفاوضات وفتح اقتصادها عن طريق عرض المؤسسات للخوصصة ،أو الاستثمار الأجنبي المباشر ،ولكنها تجد صعوبة في تلقي هده الاستثمارات ماعدا في بعض القطاعات المربحة مثل قطاع المحروقات و الأدوية في الجزائر حاليا .
لذلك وجب على البلدان النامية و بالتحديد بلدان القارة الجنوبية كما يعبر عنها مالك بن نبي انتهاج الطريقة الثانية للاستثمار بحيث يمكن أن ننطلق من التنمية للوصول إلي الاستثمار و هذه فكرة جديدة في التنمية يطرحها مالك بن نبي بحيث يمكن البحث عن المحيط الاجتماعي في إطار البعد الإنساني قبل البحث عن المحيط الاقتصادي، يجب أن يكون الإنسان منتجا و عاملا و أن يكون العمل في طليعة القيم الاجتماعية و عدم التقليل من قيمة العمل(52) والاعتماد على المواد الأولية الخام و الزراعة لتحقيق اقتصاد التنمية و اقتصاد القوت معا، فرأس المال أصبح لا يشكل حلا بل عبئا على البلدان النامية، فالقضية بالنسبة لهذه لبلدان يجب أن تبدأ من المحيط الاجتماعي لتصل إلى المحيط الاقتصادي و تشغيل جميع السواعد التي تمثل الرصيد الحقيقي لهذه البلدان في لحظة الإقلاع الاقتصادي من نقطة الصفر(53) .
كان مالك بن نبي يرى بأنه لا يمكن تشغيل كل السواعد إذا لم تأخذ الدولة على عاتقها إطعام جميع الأفواه، من هنا يتبين لنا الربط الموجود بين اقتصاد القوت واقتصاد التنمية و هذا يمكن أن يتحقق إذا تم إنتاج اكبر قدر ممكن من الغذاء و توزيعه على أحسن صورة ممكنة و التقليل من استهلاك السلع الكمالية وهذا يمكن أن يتم عن طريق تنظيم القطاع الزراعي و التمييز بين قوة الشراء و قوة العمل، بحيث عندما تكون لبلد ما إمكانية الصنع يمكن ان تتخلى عن الشراء من الخارج فقوة الشراء تمثل الاستثمار المالي و قوة العمل تمثل الاستثمار الاجتماعي و القدرة الاجتماعية فضلا عن القدرة المالية المتاحة.
فالتجربة الألمانية التي تطرقنا لها في الفصل الأول وظاهرتي الصين الشعبية و اليابان تعطينا صورة واضحة في مجال التنمية، فألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية فقدت قدرتها الشرائية في الأسواق العالمية و اعتمدت في نهضتها على قوة العمل و القدرة الاجتماعية التي يسميها مالك بن نبي الاستثمار الاجتماعي، رغم من يحاول التشكيك في هذا الطرح بحجة أن ألمانيا نهضت اقتصاديا بفضل مشروع مارشال و لكن هل كان مشروع مارشال موجود في القرن التاسع عشر؟ لان العصر الصناعي في ألمانيا لم يبدأ على أساس شيء يسمى مشروع مارشال(54).
وعليه فالطريقة بالنسبة للبلدان النامية و المتخلفة ما هو إلا الاستثمار الاجتماعي للوصول إلى تحقيق اقتصاد القوت و اقتصاد التنمية و ذلك عن طريق تحويل العوامل الاقتصادية من إطار القوة و السكون إلي إطار العمل و الحركية أي بتوجيه عناصر الإنتاج عن طريق التخطيط الدقيق ومالك بن نبي يرى أن البلدان النامية في حاجة إلى ثورة ثقافية لتحريك النفوس فالتنمية لا تستورد و لا تشترى بل هي تراكيب ذهنية ومعادلات اجتماعية قبل أن تكون مسألة بحث عن الأموال من اجل الاستثمار، فهناك قيم أخلاق، اجتماعية و ثقافية لا تستورد و على المجتمعات النامية أن تصنع هذه القيم والتنمية من بين هذه القيم فهي تصنع مثلها مثل الباخرة، فالتخلف الاقتصادي مصدره التخلف الذهني و بطالة العقول فكل شيء ينتظر الإنجاز داخل القارة الجنوبية و لذلك لابد من استثمار السواعد و العقول و الساعات و الدقائق وكل شيء من التراب لتحقيق الحركية الاقتصادية و الاستثمار المالي لا يعتبر إلا قضية تضاف إلى الاستثمار الاجتماعي.
بيد ان أنماط التنمية تمثل نقطة التركيز الأساسية لفكرة النمو، فالنظرية الاقتصادية تبحث في كيفية الوصول إلى أعلى درجة للرفاهية الاقتصادية عن طريق الاستغلال الأمثل للموارد النادرة و الاعتماد على العنصر البشري، في هذا الإطار يمكن أن نتكلم عن أنماط التنمية والمتمثلة في النمو المتوازن و الذي يعني أن عملية التنمية تبدأ بالقضاء على مشكلة ضيق السوق فانخفاض الإنتاجية في البلدان المتخلفة يترتب عليه انخفاض في الدخل و من ثم انخفاض الحافز على الاستثمار(55) و بذلك تكون استراتيجية النمو المتوازن تكمن في وضع برنامج استثماري يتوجه إلى المشروعات الصناعية. غير أن هناك طرح آخر يرى بأنه لتحقيق اقتصاد تنمية يجب الاعتماد على القدرة في اتخاذ القرارات و بصورة خاصة اتخاذ قرارات الاستثمار بأعلى فعالية ممكنة(56) و مهما يكن الأمر فان الاستثمار سوف يخلق فرصا أخرى للعمل و الإنتاج و بالتالي يشكل دفعا جديدا للتنمية، و على هذا الأساس فان التكامل هو الطريق السليم لتأمين و تطوير النشاطات الاقتصادية من اجل تحقيق اقتصاد التنمية.
المطلب الثالث: توجيه عناصر الإنتاج كالضرورة للتنمية
إن رأس المال لم يتكون بعد في البلدان النامية و المتخلفة بالكيفية التي تم فيها في البلدان الصناعية و عليه فالمشكل في البلدان النامية ذو طابع يختلف عن الوضع في البلدان المتطورة فراس المال باعتباره آلة اجتماعية تنهض بالتقدم المادي لا يجب أن يكون آلة سياسية في يد فئة رأسمالية كما يرى ماركس، و لذلك فان توجيه راس المال و هو لا يزال في طور التكوين في البلدان النامية لا يتصل بالكم بل بالكيف بحيث يكون الأمر متعلقا بكل جزء من راس المال، يجب أن يكون متحركا و يخلق معه عملا نشاطا، ما الجانب الكمي فانه يخص التوسع و تكوين راس المال(57) .
هذا التوجيه لراس المال يمكن أن يلازمه توجيه العمل باعتباره الركن الأعظم في العملية الإنتاجية بحيث نجد العمل هو الذي يحدد مصير الأشياء في الإطار الاجتماعي و ذلك عن طريق العمل المنظم و تقسيم العمل وبتوجيه العمل في مرحلة التكوين الاجتماعي كما يقر مالك بن نبي بمعنى سير الجهود الجماعية في اتجاه واحد بما في ذلك جهد التاجر و صاحب الحرفة و الفلاح و جهود الدولة في إطار المراقبة و التخطيط الشامل و ذلك من اجل تغيير وضع الإنسان في المحور المتخلف و خلق بيئة جديدة له بحيث تنطلق هذه العملية من الإنسان ذاته باعتباره هو الذي يقوم بالعمل وباستخدام راس المال و بتوجيه ثقافة الفرد نعني بذلك الوعي الاقتصادي في هذا الإطار يمكن أن يشتق العمل معناه.
وهنا يمكن الإشارة إلى انه لا يهمنا تموقع مالك بن نبي ضمن المفكرين الاقتصاديين بقدر ما يهمنا المواضيع التي تطرق لها و حاول أن يعطي العلاج لها، فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد و الوقت فإذا تم توجيه ثقافة الإنسان للوصول إلى وعيه الاقتصادي و إنشاء سلوكه الجديد يمكن ما يعبر عنه مالك بن نبي بإنسان التنمية الاقتصادي و إنشاء سلوكه الجديد يمكن صنع ما يعبر عنه مالك بن نبي بإنسان التنمية حتى يمكنه التأثير في عالم الاقتصاد، فالإنسان يمكن أن يؤثر في المجتمع بثلاث مؤثرات بفكره، بعلمه، بماله و لذلك يجب توجيه الإنسان بالدرجة الأولى على اعتباره انه يشكل المحور الأساسي في المنظومة الاقتصادية أي يجب أن تصنع الحضارة داخل الإنسان تبعا لقانون التغيير الحضاري، بتوجيه الإنسان و بالمنطق العملي نتفادى اللافعالية التي تميز إنسان القارة الجنوبية، بتوجيه الإنسان و العمل و توجيه راس المال تكون البلدان المتخلفة استكملت الشروط الضرورية لبناء الاقتصاد المشترك الذي سوف نتطرق له في الفصل الثالث.
والملاحظ إن البلدان المتخلفة تعاني من مشكلة تكوين رؤوس الأموال ونقص الميل إلى الادخار و عدم الاستعمال السليم للفائض الاقتصادي(58) بحيث يتم استغلال الفائض في قطاعات غير منتجة و لذلك نجد النقص في رؤوس الأموال و بالتالي تلجأ هذه البلدان إلى تمويل الاستثمارات من مصادر خارجية، كما نجدها تعاني من مشكلة الاستخدام الأمثل للقروض و منه تجد نفسها أمام مشكلة المديونية و على هذا الأساس كان من الضروري العمل على توجيه عنصر رأس المال توجيها سليما.
أما فيما يخص استراتيجية تطوير العنصر البشري و تنمية الموارد البشرية فيمكن أن تتم عن طريق الارتقاء في العلم و الثقافة و تحويل العلم إلى معرفة تنظيمية تستخدم في التخطيط و تنمية الرقابة الذاتية وتعميق الشعور بالمسؤولية، تعزيز الفكر التنظيمي والتخطيطي بالإضافة إلى تعبئة الطاقات الاجتماعية و الاستخدام الأمثل للإمكانيات المتاحة و الوقت(59) واليوم تتمثل المهمة الأساسية لبناء عملية التنمية في تثمين عوامل الإنتاج سواء تعلق الأمر بتثمين رأس المال في المؤسسات الكبرى نظرا لأهميتها ووزنها(60) أو عوامل الإنتاج الأخرى وتجنيد اكبر لعنصر العمل.
المطلب الرابع: التخطيط الدقيق كوسيلة للتنمية
إن برامج التنمية في البلدان النامية و المتخلفة فشلت بشكل كبير و ما واقع القارة الجنوبية إلا دليل على ذلك هذه البرامج المتعلقة بالتنمية لا يمكن أن يكتب لها النجاح في ظل الظروف الحالية التي تعيشها البلدان المتخلفة إلا إذا تم رسم خطط تنموية دقيقة تأخذ بعين الاعتبار التحديات التي تواجه هذه البلدان بدءا بالتحديات الداخلية و بإصلاح الخلل الموجود داخل برامج التنمية، أضف إلى ذلك العوامل المشتركة لإنجاح المخططات التنمية فالتخطيط في البلدان النامية يجب ان يكون مبنيا على أساس أولويات التنمية والاستفادة من الفرص المتاحة في ظل العولمة، بحيث تكون مسجلة في منهجيته التخطيطية و في خطته التقنية و الاعتماد على أولويات الإنتاج الغذائي بغية إطعام جميع الأفواه حتى يتسنى لجميع السواعد العمل فبي إطار الاستثمار الاجتماعي و فرضياته، لان التخطيط يفقد كل معناه التقني بدءا من اللحظة التي تكون فيها فكرته الرائدة مستوحاة من الخارج(61).
فهذا لا يكون تخطيطا بل مجرد مهارة و خطط التنمية في البلدان النامية يجب أن تواجه الإصلاح الزراعي من جانبين فالأول هو تخصيص الأراضي لمهمة الإنتاج وفقا لمعطيات اقتصاد القوت من جهة و اقتصاد التنمية من جهة ثانية و الجانب الثاني وضع جهاز فعال يحمي المساحات الزراعية المنتجة فالتخطيط مظهر من مظاهر تعجيل الإقلاع الاقتصادي و هو جانب يخص الميدان الاقتصادي لتدارك التخلف بطرائق فنية متسارعة تساير تطورات العولمة.
و ما يلاحظ في البلدان المتخلفة أن التخطيط لا يعطي نفس النتائج لأن أفكار المخطط في جوهرها أفكار عقيمة و لان علم الاقتصاد كما يتصور مالك بن نبي لم يبرز عن الأحداث الاقتصادية بعملية تجريد صرفة وفقا للطريق الذي اتبعته الهندسة عندما وضعت مسلماتها الأساسية، فآدم سميث قد وضع له مبدأ المصلحة الفردية و حرية التصرف و ماركس وضع له مبدأ التسيير السلطاني و الصراع الطبقي، فبعض البلدان النامية وضعت مخططات تنموية اشتراكية من حيث الأهداف ثم حددت طرائق تنفيذ طبقا لمنهج رأسمالي من حيث الوسائل و خصوصا في مجال الاستثمارات.
إن الإقلاع الاقتصادي يجب لن ينطلق من مخططات تنموية ترى الواقع الإنساني ببعده الاقتصادي و أي مخطط نفكر فيه بأفكار الآخرين و نحاول إنجازه بوسائل غيرهم معرض للفشل من الناحية العملية، فالمشكل لدى البلدان النامية يكمن في كيفية خلق شروط للإقلاع الاقتصادي و هذه هي شروط مشكلة التنمية في جوهرها(62) و قد تطرق الاقتصاديون إلى هذا المشكل وخصوصا فيما يخص شروط التخطيط في اقتصاد السوق، فالبلدان النامية يمكن أن تستثمر بقدر الوسائل المتاحة و المتمثلة في القطاع الفلاحي و المواد الأولية الخام و رأس المال الاجتماعي، هذا هو الرصيد الاقتصادي لبلدان القارة الجنوبية و كل قرض أو مساعدة من القارة الشمالية لا يمكن أن تكون قاعدة يقوم على أساسها التخطيط، فالأمر يخص تحريك المال و تنشيطه من اجل العمل و الاستثمار و ليس في تكديس الثروة، فالمشكل متعلق بالمنهج الذي يحدد دور المال من اجل بناء الحياة الاقتصادية في إطار طابع شمولي و عادل لا في طابع إقطاعي وبذلك يكتمل توجيه رأس المال مع توجيه العمل لتحقيق الشروط الضرورية للإقلاع الاقتصادي، عن طريق التخطيط الدقيق وليس التخطيط الذي أشرنا إليه في التجارب السابقة فالتخطيط موجود منذ 1947 وطبق في الاقتصاد الاشتراكي مند 1920 و لكن برامج التخطيط لم تعطي ثمارها في الميدان الاقتصادي داخل البلدان النامية للأسباب المذكورة آنفا.
إن عملية التنمية لا يمكنها النجاح إلا عن طريق المنهج التنظيمي والتخطيطي ونعني طريق التخطيط يمكن وضع البرامج الفعالة و ذلك لتجنب تكرار التجارب الفاشلة أو لمواجهة ما يتعذر ملاقاته بمزيد من الفعالية فالعالم المتقدم غلب عليه الطابع التنظيمي و التخطيطي و لذلك ظهر لديهم مناهج للإصلاح وربط المؤسسة وهياكلها بالشروط التي تعمل فيها والاستفادة من التجارب السابقة و منهج الإصلاح المؤسسي و منهج الإدارة بالأهداف و المحاسبة بالنتائج بالإضافة إلى عدد من التقنيات المساعدة في الإدارة وكذلك التحليل الاستراتيجي الذي يقوم على أساس متابعة أسباب الفشل و أسباب النجاح هذه الوسائل والأدوات التقنية في مراقبة و متابعة تنفيذ الأعمال والخطط و البرامج تلعب دورا مكملا وضروريا لنجاح عملية التخطيط (63).

الخاتمة
إن العولمة في مجراها ليست ظاهرة من مفاجآت التاريخ و ليست اتجاها عقليا أو أساسيا و إنما هي ظاهرة القرن ، و هي في واقعها المادي نتاج لمقدرة الإنسان وللمستوى الذي بلغه نشاطه الفكري و هي غاية محتومة لتطورنا الراهن و ضرورة تفرضها الظروف الصناعية و النفسية التي بلغها العالم، ليس من شك لان الضرورة هي التي توحي إلى جون توينبي بنظرية عن النظام التعاوني في الحكومة العالمية الذي يرى انه الطريق الوحيد للخروج من الأزمة الراهنة و الوسيلة الوحيدة أمام الإنسان للخلاص منها وعن طريق النظام العالمي يمكن إزالة التعارض الموجود في العلاقات الاقتصادية الدولية.
إذا دلت هذه الاعتبارات على وجوب تنظيم العالم من الناحية السياسية طبقا لخطة حكومة عالمية، فمن الناحية الاجتماعية تدل على وجوب تحقيق هذا الوضع في صورة حضارة عالمية و بهذا الشرط المزدوج يتحقق الحل الحاسم لمشكلة المصير المشترك ، فأفكار شهود العصر الكبار تتلاقى مع الضرورات الداخلية لتطوره و لقد دخلت الإنسانية في عهد العالمية تحت ضغط هذا التطور و بفضل الدفع الروحي الذي حضي به العالم على يد رواده و بذلك الواقع يمكن القول ان العالمية قد بدأت منذ منتصف القرن العشرين وليس معنى هذا أنها لا تستمد عناصرها الفكرية والاجتماعية من أصول بعيدة و هكذا تدخل العالمية في منطق الأفراد و الدول و ذلك عن طريق ما يسمى بالإنتاج العالمي و الاستهلاك العالمي و المواطن العالمي.
يرى مالك بن نبي أنه لإتمام الحل الشامل بالنسبة للبلدان النامية فهي على محورها الخاص عليها أن تخلق أولا جوهرها الخاص طبقا للشروط التاريخية و الجغرافية التي توضع فيها المشكلة،يجب أن تخلق حضارة داخل الإنسان المتخلف و بذلك تخلق جميع عناصرها النفسية و الزمنية و بالتالي تخلق ثقافة و اقتصادا و سياسة و عليه وجب تحديد اتجاهها العالمي حتى يصبح نصيب هذه البلدان في حل الأزمة العالمية حاسما وذلك بتعزيز دورها داخل المنظمة العالمية للتجارة و من هنا يمكن القول انه حان وقت المسؤولية، بل إن السياسة التي تعد مسؤولة عن تحقيق هذا الوضع ترى نفسها مضطرة إلى أن تأخذ في الحسبان بعض الظروف النفسية إلى جانب اعتبارها للمصالح المادية التي تؤثر في الواقع الاقتصادي و توجيهه في النطاق الأخلاقي لا في الميدان الصناعي وهذا التدخل للمبدأ الأخلاقي في الميدان الاقتصادي يظهر جليا و حتى في بعض نظريات الاقتصاد السياسي.
فاتجاه الحالة على محور الصناعة يمكن أن تأخذ في اعتبارها الحالة على محور المادة الأولية وكما يعبر عنه مالك بن نبي فان التعايش السياسي هو الذي يسطر على الحالة العالمية بسبب ما لديه من عناصر النظام الصناعي وعوامل القوة و الإمكانيات المادية التي تدخل في الحسبان. أن العلاقات الاقتصادية الدولية تتسم دائما ببلدان مسيطرة و أخرى تابعة، فالبلدان التابعة تخضع للبيئة التي فرضتها البلدان المسيطرة و تتكيف معها بشكل يساعدها على المساهمة في حل الأزمة العالمية فالبلدان المسيطرة تتحكم في القطاعات و التغيرات و من ثم فهي تتمتع بنوع من الاستقرار والثانية تخضع لهذه التغيرات و تخضع لقوة و سلطة البلدان الصناعية، فالعلاقات الاقتصادية الدولية لم تخرج من هذا الإطار و مع ذلك فيمكن من خلال التطورات الراهنة يمكن أن تتغبر هذه الصورة بزيادة دور البلدان النامية و التأثير على العلاقات الدولية ذاتها على اعتبار أن ما يسمى بالعالم الثالث يمثل قوة مؤثرة بما يملك من موارد بشرية و رقع جغرافية واسعة و مواد أولية هائلة، لكن مع استكمال آليات السيطرة للرأسمالية العالمية وبروز دور و أهمية الشركات المتعددة الجنسيات كعنصر أساسي و محرك للنظام العالمي الجديد او ما يسميه مالك بن نبي العالمية و ما يصطلح عليه حاليا العولمة بأبعادها ومظاهرها المختلفة، فان دور الدولة يجب أن يتعزز داخل البلدان النامية من اجل تحقيق اقتصاد التنمية عن طريق توجيه عناصر الإنتاج و التخطيط الدقيق.
مهما يكن الأمر سواء بالنسبة لتوقعات مالك بن نبي لاتجاه العالم نحو العالمية و بالنسبة للنظام العالمي الجديد الذي نادت به البلدان النامية في مطلع السبعينات من اجل إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية الدولية و التبادل التجاري و الذي يختلف عن نظام العولمة و خصوصا في نطاق قواعد المنظمة العالمية للتجارة فان البلدان النامية سوف تواجه تحديات و معادلات اقتصادية صعبة لا يمكن حلها إذا ما سارت الأمور كما هي عليه فكل شئ ينتظر الإنجاز داخل القارة الاقتصادية الجنوبية، لكن بالمقابل يمكن العمل على دعم التعاون بين البلدان النامية و استخدام عامل الزمن بتوظيف الموارد البشرية بغية الاستفادة من الفرص المتاحة في ظل العولمة.
الاستنتاج:
1- رغم ما يحدث من تغيرات على الساحة العالمية في الميدان الاقتصادي وعلى مستوى العلاقات الاقتصادية الدولية فان البلدان النامية لا تولي أهمية للعنصر البشري.
2- مالك بن نبي يرى انه من الوجهة النظرية يمكن لكتلة المواد الأولية أن تعمل على إعادة تكوين الكتلة العربية الأسيوية و دفعها من جديد إلى أن تسير في اتجاه العالمية، لا أن تكون مجرد إجراءات سياسية و لكي يكون لها تأثير أكثر فمن الواجب أن تعاد صياغة فكرتها في مصطلحات البقاء و كي تعبر عن اهتمامها بالمشكلات العضوية للإنسان نفسه على محور طنجة – جاكارتا.
3- مالك بن نبي يرى انه هناك فجوة بين النظرية و التطبيق و بين الفكرة والسلوك فالتفكير في مشاكل القارة الاقتصادية الجنوبية يستدعي مراجعة عالم الأفكار و هذه المراجعة تهدف عمليا إلى إزالة المسائل الاجتماعية التي تفصل بين البلدان المتخلفة و المتقدمة هذا الاتجاه في الأفكار و التقارب بين القارتين في عالم الاقتصاد ينتج عنه تأثيرا على تطور العالم.
4- إن النظام العالمي الذي طالبت به البلدان النامية مازال لم يتحقق وخصوصا فيما يخص تجارة المواد الأولية و مشكلة الغذاء، النظام النقدي العالمي و دوره في تمويل التنمية أضف إلى ذلك سياسة التصنيع و انتقال التكنولوجية و تنظيم الرقابة على الشركات متعددة الجنسيات، فالعولمة بشكلها الحالي و قواعد المنظمة العالمية للتجارة دليل على أن الفجوة يمكن أن تزداد اتساعا بين البلدان النامية والمتقدمة و لذلك يجب الاهتمام و التركيز على أهمية المعلومات و خصوصا بعد ظهور ما يسمى باقتصاد المعلومات الذي سوف يكون له شأن كبير في القرن21.
5- يركز مالك بن نبي على ضرورة الاستثمار الاجتماعي لان الاستثمار المالي كوسيلة للتنمية بالنسبة للبلدان النامية يشكل عائقا بل يمثل عبئا وخصوصا فيما يتعلق بخدمات الديون و مقارنة نسبتها إلى نسبة الصادرات
6- تميز مالك بن نبي بطرح رؤية جديدة فيما يخص عملية التنمية بحيث يرى إمكانية الانطلاق من التنمية للوصول إلى الاستثمار و ذلك بوضع العمل في طليعة القيم الاجتماعية و يرى بان التنمية تصنع و لا تشترى –لا تستورد- و أن عملية شراء منتوجات حضارة أخرى تعني التكديس لا البناء.
7- إن عملية البناء الاقتصادي لا يمكن أن نتصور نجاحها إن لم يكن إنجازها أخذ في الاعتبار قيمة لعنصر البشري .
8- إن البلدان النامية يجب عليها أن تواجه جملة من المسائل بوضوح و جدية لحل مشاكلها الاقتصادية هذه المسائل يمكن صياغتها في الأسئلة التالية على اعتبار أن الإنسان هو محور العملية التغيرية:
– ماذا يجب أن نغير في النفس البشرية ؟
– ما هي الوسائل و المناهج التي نستخدمها في هذا التغيير؟
– ما هو السبب الرئيسي الذي يهدف إليه تغيير كهذا؟

الهوامش والمراجع:
*Cadre Financier au sein de Groupement British Petroleum & Sonatrach, ALGERIA, Doctorant « La pratique comptable dans les sociétés multinationales et la normalisation comptable internationale, 2002-2006 ».
(1) – مؤتمر باندونغ 1955 ، و على ضوء ذلك كتب مالك بن نبي الفكرة الأفروآسيوية
(2) – سليمان طيار ، مالك بن نبي و النظام الدولي ، مجلة النور ، الجزائر: 28/10/9119 ، ص:01.
(3) – مالك بن نبي ، فكرة الإفريقية الآسيوية ، ترجمة عبد الصابور شاهين ، دمشق: دار الفكر 1981م ،ص:110.
(4) ـ مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد ، ص: 21
(5) – حازم الببلاوي ، على أبواب عصر جديد ، ط 2 ، بيروت: دار الشروق،1983م، ص: 223.
(6) – مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد، ص: 23.
(7) – حازم الببلاوي ، مرجع سابق ، ص:234.
(8) – المرجع السابق ، ص:235.
(9) – مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد ، ص: 33.
(01) – جراد عبد العزيز ، مرجع سابق، ص: 25.
(11) – ناصر دادي عدون ، استراتيجية المؤسسات الجزائرية تجاه العولمة ، بحث غير منشور.
(12) – محمد الأطرش، العرب و العولمة، المستقبل العربي، العدد 1999م، ص: 109.العرب و العولمة في الأصل ، ندوة نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت 18/12/1997
(13) – محمد الأطرش ، مرجع سابق ، ص 111 . محمد الأطرش اقتصادي عربي و وزير سابق في سوريا
(14) -JOHN Maynard keynes ,The end of Laissez Faire,1926 in:JohnMaynard Keynes, Essays in Persuasion , London, New York, 1963,P:312 & 313
نقلا عن مجلة المستقبل العربي، العدد 1999 ، ص:24 .
(15) – أخذت الأرقام من :International Monetary Fund-IMF-World economic Outlook .may
1997 Table N/15 P:64.
نقلا عن مجلة المستقبل العربي، العدد 1999، ص:29.
(16) ـ ضياء قريشي ،العولمة فرص وتحديات ، التمويل و التمنية ، مارس 1993،ص: 28.
(17) – أنظر:شعيب شنوف ، الحركية الاقتصادية عند مالك بن نبي بالبلدان النامية وتحديات العولمة ، رسالة ماجستير 2002 ، جامعة الجزائر ، الملحق رقم :3 اقتصاد المعلومات.
(18) – جراد عبد العزيز، مرجع سابق، ص: 25.
(19) – لعويسات جمال الدين ، مرجع سابق ، ص: 33
(20)- بن أشنهو عبد اللطيف ، مرجع سابق، ص: 283.
(21)- السياسات الحمائية للمنتجات المحلية و الصناعات الوليدة من خطر المنافسة الدولية .
(22)- تقرير البنك الدولي ، الأفاق الاقتصادية العالمية ، 1995.
(23)- منشورات البنك العالمي ، الندوة الوزاري المنعقدة في سياتل الأمريكية و الخاصة بالمنظمة العالمية للتجارة ، ديسمبر 1999 (24)-صالحي صالح، دور المنظمة العالمية للتجارة في النظام التجاري العالمي الجديد، دراسات اقتصادية، العدد 1421/ 2000، ص: 95.
(25)- لعويسات جمال الدين ، مرجع سابق ، ص: 67.
(26)- هانس-بتر مارتين ، هارالد شومان ، فخ العولمة ،ترجمة عدنان عباس علي ، مراجعة و تقديم رمزي زكي، عالم المعرفة ، العدد:238، ص: 90.
(27)- المرجع السابق ،ص :92 .
(28) – هانس ، بترمارتين ، هارالد شومان ، مراجعة و تقديم رمزي زكي ، عالم المعرفة ، العدد 238 ، ص :88 .
(29) – المرجع السابق ، ص: 89.
(30)- هانس،بيترمارتين، هارالد شومان،مرجع سابق ص:97.
(31)- المرجع السابق ،ص:103 .
(32)- رغم منافسة الاتحاد الأوربي و دول جنوب شرق آسيا للولايات المتحدة الأمريكية.
(33)- رمزي زكي ، المخاطر الناجمة عن عولمة الأسواق المالية، دراسات اقتصادية،الجزائر، العدد 1421 /2000 ، ص:46.
(34)- نفس المرجع السابق ،ص:47.
(35)- نفسه ، ص:51.
(36)- جراد عبد العزيز، مرجع سابق ، ص:77.
(37)- رمزي زكي، آليات الفوضى في الاقتصاد العالمي الراهن، العربي، العدد 482، جانفي 99، ص: 110.
(38)- نفــسه ، ص : 112 .
(39)- انظر : ناصر دادي عدون ، استراتيجية المؤسسات الجزائرية تجاه العولمة ، بحث غير منشور .
(40)- مجلة The economist, نقلا عن عالم المعرفة، العدد238، 1998، ص: 315.
(41)- طه عبد العليم، هل يملك العرب رؤية استراتيجية، العربي، العدد 485، ص:32.
(42)- أي بقدر ما حققه كل بلد من انتاج و تزويد السوق العالمية بالصادرات.
(43)- طه عبد العليم، مرجع سابق، ص:40.
(44)- مالك بن نبي، شروط النهضة ، ص:113.
(45)- مالك بن نبي ، الرجع السابق ،ص:115 .
(46)- لعويسات جمال الدين،مرجع سابق، ص:77.
(47)-نفسه ،ص:78
(48)- مركز دراسات الوحدة العربية، العرب و العولمة،بيروت:نقلا عن المستقبل العربي، العدد 1999، ص:111.
(49)- انظر:شعيب شنوف ، الحركية الاقتصادية عند مالك بن نبي بالبلدان النامية وتحديات العولمة ، رسالة ماجستير 2002 ، جامعة الجزائر، الملحق رقم 2 .المنظمة العالمية للتجارة نظام –حوت –يبتلع اقتصاديات البلدان النامية.
(50)- مالك بن نبي، بين الرشاد و التيه،دمشق:دار الفكر،ص:183.
(51)- مالك بن نبي، المسلم في عالم الاقتصاد،ص:75.
(52)- بشير مصيطفى، قيمة العنصر البشري في المنظومة الاقتصادية عند مالك بن نبي، دول الخليج 14 دقيق عمل في اليوم، و اليابان 10ساعات عمل يوميا، من ندوة مالك بن نبي،جامعة الجزائر،26/12/99.
(53)- مالك بن نببي، بين الرشاد و التيه،ص:186.
(54)- مالك بن نبي، المرجع سابق، ص:193
(55)- لعويسات جمال الدين مرجع سابق،ص:41.
(56)- الفرق بين الرأي الاول و الثاني،الاول نظرية النمو المتوازن يرى بان المشكل في ضيق السوق، اما الثاني يمثل نظرية النمو غير المتوازن يرى بان التنمية تتخذ شكل تركيز الموارد في عدد محدود من الأنشطة هو القطاع القائد.
(57)- مالك بن نبي، شروط النهضة، دمشق: دار الفكر،ص:120.
(58)- لعويسات جمال الدين،مرجع سابق،ص:54.
(59)- مالك بن نبي ،شورط النهضة،ص: 115.
(60)- دمدوم كمال، دور الصناعات الصغيرة و المتوسطة في تثمين عوامل الإنتاج في الاقتصاديات التي تمر بإعادة الهيكلة،دراسات اقتصادية ،العدد2000 ،ص:183.
(61)- مالك بن نبي، من اجل التغيير،دمشق: دار الفكر،ص:33
(62)- مالك نب نبي، بين الرشاد و التيه،ص:172.
(63)- أنظر ناصر دادي عدون ،استراتجية المؤسسة الجزائرية تجاه العولمة .

أ. شنوف شعيب

المصدر: مجلة علوم إنسانية WWW.ULUM.NLالسنة الرابعة: العدد 31 ـ نوفمبر2006

Comments (0)
Add Comment