ولد المفكر المسلم الجزائري “مالك بن نبي” في 05 ذي القعدة 1323هـ الموافق لـ فاتح جانفي 1905م بمدينة قسنطينة. و هو ابن الحاج عمر بن الخضر بن مصطفى بن نبي.
انتقلت به أسرته و هو ما يزال طفلا إلى تبسة، أين بدأ يتردد على الكتاب (أي المدرسة القرآنية) فحفظ حزب “سبح” فقط خلال أربعة سنوات.
واصل تعليمه المدرسي بعد انقطاعه من الكتاب، و كان متفوقا في المدرسة حيث نال شهادة الدراسة الإبتدائية بدرجة جيد.
انتقل بعدها إلى التعليم الثانوي بقسنطينة و هناك لم تكن تهمه دروس الثانوية فحسب بل كان يحضر دروس الفقه للشيخ ” ابن العابد” و دروس النحو العربي و الصرف على الساعة السابعة من كل صباح أي قبل الإلتحاق بالثانوية في الجامع الكبير.
بدأ مالك بن نبي منذ الصغر يميل إلى حب المطالعة فقرأ لـ “جول فيرن” و تذوق العبقرية الشعرية الجاهلية و شعر العصر الأموي و العباسي. كما مارس ألوانا شتى من الإغواء في روحه – على حد تعبيره- كل من امرئ القيس و الشنفرى و عنترة و الفرزدق و الأخطل و أبي نواس، و حتى أصحاب المدرسة الحديثة كحافظ ابراهيم و الرصافي و أيضا شعراء المهجر كجبران خليل جبران و إيليا أبو ماضي، و غيرهم.
كان مالك بن نبي يقطن في حي بقسنطينة بالقرب من مقر “مجلة الشهاب” أين كان ابن باديس يستقبل في مكتبه أصدقاءه و تلاميذه مما جعل مالك بن نبي يلتقي مع مختلف الناشئين سواء خريجي المدرسة الوظيفية الجزائرية الفرنسية أو أتباع ابن باديس فكان هذا بمثابة المقدمة التاريخية لما غدا من بعد الحركة الإصلاحية و الحركة السياسية.
امتاز مالك بن نبي منذ صغره بالفكر الجهادي (الثوري) نظرا لكثرة انشغالاته و تساؤلاته عن الوجود الاستعماري في بلادنا فراحت نفسه تراوده من الحين و الآخر في القيام بعملية تفجير مخزن للبارود أو في الاستيلاء على بعض المباني للمستعمرين.
[1925]
في هذه السنة أنهى مالك بن نبي دراسته الثانوية فالتحق بقرنسا بحثا عن العمل و سرعان ما رجع مفضلا العمل في بلاده.
[1927]
في شهر مارس من هذه السنة عين مالك بن نبي في القضاء بمدينة “آفلو” التي تبعد 122 كلم غرب مدينة الأغواط بوابة الصحراء الجزائرية.
و على الرغم من أن مرتب الحاكم بالنسبة للأهالي (Les indigènes) كان ضئيلا إلا أن مالكا كان هدفه منافسة الفرنسيين في هذا المنصب و ابتغاء منه في أن يغدو عدلا على الأثر. و كان بهذه المناسبة سببا في دخول أول عدد لـ “مجلة الشهاب” إلى مدينة آفلو.
[1928]
في هذه السنة انتقل مالك بن نبي إلى “شلغوم العيد” و هي مدينة في الشرق الجزائري واقعة بين قسنطينة و سطيف حيث وجد منصبا شاغرا و لتعقيدات و جفوة في المعاملة من طرف المستعمر فضل الاستقالة.
[1929]
في هذه السنة و بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية فشل في الاشتغال في مطحنة، و بدأ يفكر في كيفية العمل في وقت كانت الإدارة الفرنسية تحضر لعيد مضي مائة (100) سنة على احتلال الجزائر Centenaire، فكان لهذا الحدث الأثر البليغ في نفس مالك بن نبي، كما عبر عن استيائه في أول يوم للاحتفال بملازمة بيته طول اليوم.
[1930]
في شهر سبتمبر من هذه السنة انتقل مالك بن نبي إلى فرنسا لغرض الدراسة و هو ابن 25 سنة، فأجرى امتحان الدخول إلى “معهد الدراسات الشرقية” لكن خابت آماله في الدخول إلى هذا المعهد فسجل نفسه في ” معهد اللاسلكي”.
و يذكر مالك بن نبي عن نفسه أنه في الوقت الذي كان ينتظر فيه نتائج مسابقة معهد الدراسات الشرقية زار متحفا للفنون و الصناعات و كان ذلك سببا في تفكيره لأول مرة في ” مشكلة الحضارة” لما شاهد عينات التكنولوجيا من القاطرة البخارية الأولى و الطائرة.
إن الظروف المعيشية القاسية في فرنسا في هذه السنين ساقت مالك بن نبي إلى مطعم قليل التكاليف تابع “للوحدة المسيحية للشباب الباريسيين” و هو معهد يمكن أن يقال عنه: معهد تدار شؤونه طبقا لضرورات شباب يدرس أو يعمل بعيدا عن أهله، فانضم إليه ابن نبي و اكتمل فيه اطلاعه على الجانب الروحي للحضارة الغربية.
كما تعرف مالك بن نبي عن الحضارة و الحياة الأوروبية من الداخل في نطاق عائلي، و ذلك لما تعرف على صديق أوروبي كان يأخذه معه إلى بيته.
يدأ مالك بن نبي يستعد للدخول إلى “معهد اللاسلكي” ليتعرف من خلال دراسته للمواد العلمية (الجبر، الهندسة، الكهرباء، الميكانيك) خلافا لتوجهاته الفكرية على الحضارة الغربية من جانبها النظري.
بدأ مالك بن نبي يتردد على “الحي اللاتيني” الذي يسكنه الطلبة العرب من مشارقة و مغاربة أين كانت تثار مشاكل الجزائر و العالم الإسلامي، فكان مالك نشطا في المجال الثقافي و الفكري بين الشباب المغاربة من مراكشيين و تونسيين و جزائريين في هذا “الحي اللاتيني”. و عبر عن أفكاره الإصلاحية و الوطنية بتصدره لدعوات الإصلاح و الإسلام و الوحدة المغربية و دعوته السلفية الوهابية حتى أطلق عليه اسم ” زعيم الوحدة المغربية”.
كان ابن نبي يساهم أيضا في توزيع المنشورات المناهضة للاستعمار و كثيرا ما كان هو و زملاؤه يضعونها في صناديق بريد النواب و أعضاء مجلس الشيوخ و الصحفيين.
[1931]
في هذه السنة تزوج ابن نبي بشابة أوروبية أخذت على عاتقها تنظيم حياته المادية في البيت.
في هذه السنة كان يزوره صديقه ” حمودة بن الساعي” فيتناقشان في البيت في مواضيع علمية و دينية و سياسية و اجتماعية، حتى اهتم ابن نبي بالفلسفة و علم الاجتماع و التاريخ أكثر من اهتمامه بمواد مدرسة اللاسلكي.
و بحكم غيرته على وطنه و شعبه المستعمر وجه مالك بن نبي خطابا للضمير الجزائري، بعث به إلى جريدة “الدفاع” و إلى مجلة “الشهاب” غير أنه لم ينشر.
[1935]
تخرج مالك بن نبي في هذه السنة من مدرسة الكهرباء و الميكانيك في باريس مهندسا كهربائيا. و نظرا لتفطن الاستعمار لمواقف مالك بن نبي منذ البداية كان ذلك سببا مباشرا في حدوث عدة عراقيل له كطرد والده من عمله و عدم منحه الشهادة بعد تخرجه من مدرسة الكهرباء رغم تفوقه فيها، و منعه بطريقة غير مباشرة من السفر إلى المشرق عدة مرات و رفض ملفاته في إجراء المسابقات و الرد بأنكم لم تستوفوا شروط الامتحان.
[1936]
في هذه السنة زار وفد المؤتمر الإسلامي فرنسا فالتقى بمالك بن نبي في باريس حيث عبر لهم عن معارضته الشديدة لهذه الزيارة. كان مالك بن نبي يتردد على ” نادي الشبيبة الإسلامية” و ينوب عن الشيخ العربي التبسي عند غيابه.
حاول مالك بن نبي أن يستفيد من صلته بالتيارات الفكرية المهاجرة، لذلك اختير ممثلا للطلبة الجزائريين في “جمعية الوحدة المغربية” و التي كانت تضم طلبة من مراكش و تونس و الجزائر و سوريا و لبنان. و كانت له صلات بجموع الطلبة الموجودين في باريس من الصين و فيتنام و الهند.
ثم عين مالك بن نبي بعد ذلك في مرسيليا على رأس “نادي المؤتمر الجزائري الإسلامي” الذي أسس لتثقيف العمال الجزائريين في فرنسا، لكنه أغلق بأمر من السلطات الفرنسية، حيث كان ابن نبي مديرا لهذا المركز و موجها تثقيفيا و تربويا للعمال الجزائريين المتواجدين هناك.
[1939]
في شهر مارس من هذه السنة رجع مالك بن نبي إلى الجزائر لما لم يحصل على عمل، فقضى فصل الصيف و امتاز أثناء إقامته بالجزائر بالحياد فلم يكن منحازا لأية طائفة سياسية، حتى وصفه “التقدميون” أصحاب الجبهة الشعبية بالرجعي.
و في نفس السنة اندلعت الحرب العالمية (أو الأوروبية) الثانية فقرر عندها العودة إلى فرنسا مرة أخرى ليتفرغ هذه المرة للعمل الفكري، فاتصل بعشرات الباحثين و المفكرين و الصحفيين و المستشرقين.
كما عمل ابن نبي صحفيا بجريدة ” لوموند- Le monde” .
و في باريس أصدر باللغة الفرنسية “الظاهرة القرآنية” (Le phénomene coranique) و “لبيك” و “شروط النهضة” و “وجهة العالم الإسلامي”.
[1951]
في حدود هذه السنة و فرارا من مضايقة الجمهوريين الذين هم يهود أو زوجاتهم يهود على الأقل، اختار مالك بن نبي مغادرة العاصمة “باريس” للإقامة في قرية ” درو” الملكية الواقع على بعد 120 كلم من “باريس”.
[51-1952]
في هذه الفترة بالذات زار مالك بن نبي الجزائر أثناء مرورها بالفوضى السياسية و صراع الزعامات و الثورات المجاورة الخارجية، فعبر عن هذه التغيرات بقوله: ” كانت الفئة المثقفة تمر بمرحلة التهور لا التطور” كما ألجأه ما رأى إلى المطالبة بعقد مؤتمر يتناول المشكلات في عمقها.
[1954]
بعد اندلاع الثورة المباركة أي “بعد 54” عمل الاستعمار جهده على تشويه شخصية مالك بن نبي، لما روج في أوساط الطلبة مندسين يذيعون بأن مالك لم يساهم في هذه الثورة بل انعزل في برجه العاجي، و الحقيقة أنهم مفترون.
[1955]
و في شهر أفريل من هذه السنة تم انعقاد مؤتمر “باندونغ” “Bandung-Bandoeng” الذي جمع رؤساء و زعماء فكرة عدم الانحياز. فألف مالك بن نبي بهذه المناسبة و على ضوء هذا المؤتمر كتابه ” الفكرة الإفريقية- الآسيوية”