الجانب الجمالي في فكر مالك بن نبي

عدد القراءات :3252

يعتبر مالك بن نبي مفكرا من هذا الطراز الذين تنجبهم الأمم و هي تجتاز مرحلة التحول الحضاري و التي تتسم في أغلب الأحيان بأنها مرحلة صراع بين القديم و الحديث .
و كان مالك بن نبي مفكرا إسلاميا مشبعا بكل القيم الإسلامية التي صاغت يوما ما على هدى القرآن الكريم و عطاء السنة و سلوكيات المسلمين المجسدة لهذه القيم حضارة تعتبر من أرقى حضارات الدنيا عبر تاريخها .
و هذا المقال يخص الجانب الجمالي في فكر الرجل و طبقا لتصور مالك بن نبي فالجمال يعتبر عاملا حيويا في البناء الحضاري و أيضا في الانتكاس و لا سيم عندما يهمل دوره و يرى الباحث عند محاولته معالجة الجانب الجمالي ، و بلورة ملامحه العامة و الخاصة في فكر مالك بن نبي – الذي يمكن لنا أن نضفي عليه سمة الشمولية – أن الجمال كان له وضعية متميزة على خارطة هذا الفكر الحضاري و هذا لأنه فكر يعتمد على التحليل التاريخي من خلال معادلات رياضية مستفيدا في ذلك من دراساته الهندسية ، في محاولاته لشرح تكوين الحضارة بأسلوب رياضي يعتمد على استخدام المعادلات كما قال عنه الدكتور محمّد فتحي عثمان في مقال له بعنوان ” كيف تتحقق لنا حضارة إسلامية معاصرة “؟ .
و لقد جاء هذا المنهج في كتب مالك بن نبي مثل كتاب شروط النهضة و ” مشكلة الثقافة ” و كذلك في بحث له نشر على صفحات مجلة ” الثقافة العربية التي تصدر في ليبيا ”
و بالتالي انعكس هذا المنهج على دراسته لدور الجمال في عملية التكوين العام للمجتمع من خلال رؤيته الرياضية هذا الدور عن طريق تلك المعادلة .
مبدأ أخلاقي + ذوق جمالي = اتجاه حضاري .
إذن في هذه المعادلة أوضح لنا مفكرنا ذلك الدور الحيوي الذي يلعبه الذوق الجمالي في عملية التشكيل الحضاري و هذا راجع إلى أن أية أمة عندما تفتقد الحس الجمالي الذي يغمر حياتها بالدفء ، و يجعلها تميزا حيا بين الجوانب المسهمة في بناء الأمة و الجوانب المؤدية إلى هدمها و أفولها تصل و لا شك في هذا إلى حالة سيئة . و لا نعدو الحقيقة إذا قلنا أنه عند غياب الرؤية الصادقة تسقط الأمة في مرتع و خيم .
و مالك بن نبي يعتبر الجمال أحد العناصر الحيوية التي تتكون منها الثقافة فالثقافة – في تصوره – تتكون من :
1- الدستور الخلقي .
2- الذوق الجمالي .
3- المنطق العملي .
4- الصناعة بتعبير ابن خلدون

و يرى مالك بن نبي أن الجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان و أصوات و روائح و حركات و أشكال يوحي للإنسان بأفكاره و يطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل أو السماحة القبيحة فالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد يجد الإنسان في نفسه نزوعا إلى الإحسان في العمل و توخيا للكريم من العادات .
و فضلا عن ذلك فإن مالك بن نبي بعد الجمال عاملا فعالا في بناء الحضارة و إضفاء الحيوية عليها .. و مفكرنا و هو بصدد تدعيم هذا المبدأ يسوق مثل هذا الحوار الذي يحدث دائما بين الرجل و المرأة فيقول ” ما من حوار شجر بين الرجل و المرأة منذ آدم و حوّاء .. سواء أ كان ذلك في صورة رمزية إليها بعض الإشارات أم كان صورة لغوية تنطق بها بعض الكلمات إلا و المرأة تحاول أن تظهر من خلال هذا الحوار في مظهر الجمال بينما الرجل يحاول أن يتخذ له مظهر القوة “.
و هذا يدعم المبدأ الحيوي الذي أقره مالك بن نبي و الجمال في مفهوم مالك بن نبي هو الذي يحدد اتجاه الثقافة لأنه يؤدي فيها دورا رئيسا إذ أن المقدرة الخلاقة مرتبطة دائما بالانفعال الجمالي ، بل أن مقدرة الفرد على التأثير مرتبطة أيضا ببعض مقاييس جمالية .
و من المعلوم مثلا في ميدان التجارة و الصناعة أن الصنف الرديء لا يباع و القيمة الجمالية يجب أن ينظر إليها خاصة من الوجهة التربوية فهي تسهم في خلق نموذج إنشائي متميز يهب الحياة نسقا معينا , و اتجاها ثابتا في التاريخ بفضل ما وهب من أذواق و تناسب جمالي .
و من خلال نظرة فاحصة لفكر الرجل يجب علينا أن نحاول معرفة وضعية المجال الجمالي في البناء الحضاري و سوف نراه يحدد ملامح هذا المجال فيجعل له ميزة شكلية أو بعبارة أخرى جمالية بحيث يتبادر لنا أن المبدأ الثقافي في المجال الجمالي يعنى به الميزة الوظيفية و هذا ليس فحسب من الناحية الشكلية بل من الناحية الوظيفية لأن قيام مجتمع على صورة معينة يضع على كاهل أفراده و على مسئوليته التمسك بذوق جمالي معين يطبع أسلوب حياة المجتمع و سلوك الأفراد بصفة متبادلة حتى إذا حدث في أسلوب الحياة نشوز ما يعدله سلوك الأفراد ، و إذا حدث في سلوك الأفراد انحراف ما يقف أمام أسلوبه الحياة في المجتمع ليعدله طبقا لهدف المجتمع و لغاياته الثقافية .
إن علينا أن نعرف ز نحن نحاول استقراء الجانب الجمالي عند مالك بن نبي أن نحيط برؤيته الصائبة حول دور الجمال في الأزمة الحضارية ، فهو يقول أن هناك أسبابا للأزمة الحضارية و هي أسباب ذات منبع اقتصادي أو عوامل اجتماعية تأتي على رأسها الأخلاق و يقرن معها الجمال و ذلك لأن الحياة في مجتمع معين قبل أن تتأثر بالفنون و الصناعات أي الجانب المادي الاقتصادي من الحضارة تتخذ لها اتجاها عاما و لونا شاملا يجعل تفاصيلها مرتبطة بالمبدأ الأخلاقي ، و بذوق الجمال الشائعين في هذا المجتمع و يعني هذا أن التحديد الحقيقي لدور الجمال في نظر مفكرنا يؤكد أن تذوق الجمال عامل أساسي في سلامة التوجه الحضاري أو عدمه .
و هو عامل يمكن أن يساهم مع عوامل أخرى في بعث الأمة الإسلامية بعثا حضاريا ..

مصطفى محمّد طه


شارك :     
Comments (0)
Add Comment