ملتقى “المشروع الحضاري عند مالك بن نبي” يختتم جلساته

مفيدة قويسم

اختتمت فعاليات الملتقى الوطني الثاني الذي احتضنته جامعة الجلفة بقسم اللغة العربية و آدابها ونظمه مخبر المصطلح و المخطوط والأدب الجزائري المكتوب في الصحافة، و الذي شارك فيه مجموعة من الأساتذة من جامعة الجلفة و من مختلف جامعات الوطن و حضور شرفي من جامعة دمياط من مصر.
تمّ افتتاح أشغال الملتقى بكلمة ترحيبية لكلّ من عميد الكلية ” أخذري عيسى” و مدير المخبر ” خويلد محمد الأمين” ورئيس الملتقى “بومانة محمد” بحضور جمع كبير للطلبة و الأساتذة، و ألقيت جملة من المحاضرات في يوميه الأول و الثاني و تخللها فتح باب للنقاش من قبل الحاضرين، وفيما يلي تلخيص لبعض المداخلات…

أ.د.الطاهر الإبراهيمي ..ملامح الفكر التربوي عند مالك بن نبي
مداخلة الأستاذ “الطاهر الإبراهيمي” من جامعة بسكرة كانت بخصوص مظاهر التخلف و الركود الذين أصابا المجتمعات في ملامح الفكر التربوي الذي تبناه مالك بن نبي في كتاباته، أي حوالي 26 كتاب مطبوع و ما يضاهيها أو يزيد مازال مخطوطا، باعتباره ظاهرة فكرية متميزة لم يكن يوما ذا تفكير مؤسساتي. فالظاهرة الحضارية ظاهرة إنسان و قضية مجتمع والمفكر بن نبي جاهد بالعقل و العمل بامتياز، و فكرة التربية عنده تمتد إلى الحضارة و الثقافة و التاريخ و العلم و الفلسفة. و لهذا كان تصوره للتربية حضاري المعنى والهدف لخلق إطار ثقافي في سبيل التجديد، لبناء الحركية في مقابل السكونية.

د.حسان عبد الله حسان .. التصور الفكري للأزمة الحضارية و منهجية المعالجة عند مالك بن نبي
تحدّث الأستاذ من جامعة دمياط بمصر في مداخلته عن مشكلة رؤيته للحضارة عبر خريطة العبور الحضاري. هذا الأخير الذي يلتزم ثلاثة متطلبات هي الإنسان العابر و جسر العبور و المعبور إليه و هو الحضارة. كما أنّ ضرورة العبور فريضة شرعية و حداثية. حيث إهتمّ مالك بن نبي بالإنسان العابر كونه محور حركة التاريخ إلى الأفضل، فإذا تحرك الإنسان تحرك المجتمع و التاريخ و بالتالي بناء حضارة، والجسر يتمّ عبوره بزاد الثقافة و مكوناتها الأخلاقية و الجمالية والعملية . أما العابرون فهم جميع الناس بدون استثناء، في حين نجد أن محطة العبور التي يستهدفها مالك بن نبي هي الحضارة القائمة على الكم لا الكيف، الوجود لا الهيمنة، حضارة التوازن و التآزر و التآلف، العدل و المساواة ..

د.الطاهر سعود.. ظاهرة التخلف عند مالك بن نبي بين المفهوم و الأشكال و الأسباب
و في مداخلة للأستاذ “الطاهر سعود”من جامعة سطيف، وصف فيها مالك بن نبي بأنه قدّم دراسات نقدية متقدمة في الزمن غالبا ما تعالج المرض و الجهل و الفقر و اليأس، لكن ليس فيها تحليل منهجي للمرض وهي أعراض لمرض التخلف و المشاكل القائمة. حيث كان يسعى بن نبي للبرهنة عليها من خلال استقراءاته للواقع التاريخي والاجتماعي المعيش. و هذه الفرضية هي في جوهرها مشكلة حضارية تُعرف بالتخلف لها شكلان واحد طارئ و آخر أصيل لصيق بالمجتمعات. أما أسبابها فهي إما داخلية أو خارجية وتتجلى مظاهرها في تمزق شبكة العلاقات الاجتماعية و فرض الأفكار، الشيئية و التكدس، اللافعالية والحرمان الاجتماعي.

د.عبد الحليم بوهلال … نظرية البناء الحضاري و سؤال الثورة
ناقش المحاضر “عبد الحليم بوهلال ” فكرة أنّ مشكلة الإنسان هي مشكلة حضارية بالدرجة الأولى وصناعة التاريخ تنطلق من عالم الأشخاص و عالم الأفكار و عالم الأشياء و عالم الشبكات الاجتماعية. و البناء الحضاري يتم عبر هذه العوالم و يحدث تغير الإنسان عبر تكيفه مع نسق الأفكار و الأنفس و التربية التي تتوافق مع الطبيعة بالفطرة. وقال أن “بن نبي “ربيع الأمة يتحدث عن شتاء الأمة، يرى بأنه لابد أن يتحول الفكر إلى واقع اجتماعي و إمكان حضاري و التأثير في العوالم الأربعة السالفة الذكر بالتوجيه الثقافي و العملي و توظيف رأس المال. و لا يجب أن تعالج الثورة في جانبها السياسي فقط بل يجب استحضار الجانب الثقافي لأنّها ضمائر مجتمع ثار ضد ظروف معينة كما يجب على الثورة أن توازى بنقد ثوري يجعلها تصوّب أخطائها و إلا قتلت الجميع..

د.عبد الرحمان بن شريط ..من قابلية الإستعمار إلى قابلية العولمة
من خلال التعرض إلى قابلية الاستعمار و انطلاقا من وجهة نظر مالك بن نبي و اللوم الذي وجهه إلى الشعب المُستعمر بدل المستعمِر،اعتبر الاستاذ “عبد الرحمان بن شريط” انّها فكرة أصيلة تتجسد في النقد الذاتي – نتيجة رضوخه و تقبله للاستعمار لمحاولة دفع المجتمع لمواجهة ذلك عن طريق تحريك الدوافع و المعطيات العميقة فيه.
و بحس نقدي قدمه المفكر للمجتمع الجزائري يقول الدكتور “بن شريط” انّه يرى أنّ الفعل الاستعماري مازال موجودا في البنية الاجتماعية لدى الشعب الجزائري و لم يندثر بتحقق الاستقلال السياسي و الدليل على ذلك أنّ النخبة في الجزائر لم تستفد من مقوماتها و خرجت ممزقة و منقسمة و منها من تعيد المجتمع إلى قيمه الأصيلة ومنها من تدعو إلى التقدم، و بالنسبة لقابلية العولمة فنحن نخضع لأفكار إيديولوجية، فنحن خرجنا من استعمار لندخل في قابلية الذوبان في الآخر.

د.عبد الرزاق بلعزروق .. تجديد القيم قوة جوهرية لشروط النهضة عند مالك بن نبي
يقول الأستاذ من جامعة سطيف أنّ مالك بن نبي لمّا لاحظ مشكلات النهضة اقترح التأسيس لعلم ” تجديد الصلة بالله” في معناه الروحي و ليس الفكري. و توتر القيم الخلقية هي المدخل الأساسي لإحداث التغيير و تجديد العاطفة الإيمانية حيث اهتمّ المفكر بن نبي بهذا الطرح لكي نحاول أن نفكّر معه. كما أنّنا بحاجة لإعادة بعث مفاهيمه من جديد و إعادة ابداعها و تحريكها في عالمنا اليوم، و رسالة المسلم في التاريخ كمحرك و مولّد للدافعية، و تتجلى في طغيان الأشياء بتقديسنا لها و غياب الروح فأصبحنا نقيس الحق بالرجال لا الرجال بالحق، بالإضافة إلى طغيان الأفكار ..
و علم تجديد الصلة بالله يقوم على مرتكزات تبدأ من معرفة الله إلى الاتصال به و الإيمان بمركزية العلوم النفسية و الأخلاقية في الكشف عن حاجات الإنسان الحقيقية في القرب من الله.

أ.حسان مغدوري.. فكرة القابلية للاستعمار بين الواقع و التحدي عند مالك بن نبي
و بخصوص موضوع مفهوم القابلية للاستعمار في ظل التحولات الراهنة، يرى الأستاذ “مغدوري” أنه يُفهم بمعزل عن الزمان و المكان بمعنى قيمة مهيمنة لعنصر على عنصر آخر. و العولمة هي شكل من أشكال الاستعمار أجهزت على الحدود السياسية و الثقافية و وضعت الشعوب في بوتقة واحدة، كما أنّ “قابلية الاستعمار” مازالت فكرة حية تتنفس و آثارها قائمة و مازالت المجتمعات العاجزة تبحث دوما عن الحضارة و لا يمكن أن يكون المجتمع مجتمعا إلا إذا كانت تحكمه وظيفة تاريخية معينة وكذا بمدى قدرته على توفير الضمانات الاجتماعية اللازمة للقيام بهذه الوظيفة لكل فرد من أفراد المجتمع …

د.بولرباح عسالي..القابلية للإستعمار و الربيع الاقتصادي المنشود عند مالك بن نبي
انطلق المحاضر من جامعة الجلفة من إطار مفاهيمي يتضمن النظام الاقتصادي، الاستعمار الناعم، القابلية للاستعمار الاقتصادي، الثورة والتغيير بالمفهوم الاقتصادي، وبيّن أنه خلافا لاحتمال تناول الربيع العربي بالمفهوم السياسي، وفقا لمقاربتين مختلفتين، تقوم إحداهما على التفسير السنني للظواهر (العدل أساس الملك)، بينما تقوم الثانية على التفسير التآمري للأحداث (ثورات مفبركة تخدم الغرب)، فإنّ الحديث عن الربيع العربي بالمفهوم الاقتصادي لا يحتمل إلاّ تفسيرا واحداً يعتمد المقاربة الأولى، لأنه يستحيل أن يحرّك محور واشنطن – موسكو شعوب محور طنجة – جاكرتا للثورة على أوضاعها الاقتصادية، والتخلص من عقدة الدونية تجاهه، وضرب في ذلك أمثلة استخدمها المفكر بن نبي في نموذجين، وضح في الأول رضوخ منتوج الحلفاء الجزائري لشروط مستغليها في الغرب وعودتها لوطنها الأم في شكل سلع بأكثر من 40 مرة سعر شرائها، بينما تمكّن القطن المصري في المثال الثاني من مبادلة عادلة مع تجهيزات مصنعة.. كما ركّز على موضوع الإمكان الاجتماعي، وتغليب لغة القيام بالواجبات على لغة المطالبة بالحقوق، على أساس الحق في لقمة العيش لكل فم وواجب العمل على كل ساعد، والتكامل الاقتصادي الذي لو تحقق في الدول لبلدان العربية لأعطى نماذج مبهرة.

عبد المالك بلخيري..منهج المساءلة في فكر مالك بن نبي من خلال كتابه ” بين الرشاد و التيه”
يعتبر الأستاذ أنّ الوازع هو الرادع الذي يوجه عجلة الفكر في شقها الأخلاقي، و مالك بن نبي أراد الانتقال من البرهنة في تأسيس واقع عربي إسلامي، فرّق فيه بين الانتماء إلى الإسلام و المرجعية الدينية و بين النظر، إلى القيم في الأطر المرجعية لأنّ مبدأ الاختلاف يتجسد في الحكم على الأشياء باختلاف المفاهيم والأحكام و القيم.. كما عرّج على منهج المساءلة عند بن نبي مرّ بمراحل لأنّ الواقع يتطلب منّا تساؤلات هدفها استخراج الحقيقة مساءلة تقليدية قامت على مبدأ الحوار و نقد العقل، و مساءلة موضوعية تقوم على عقل متفتّح على الحضارة.

د.عبد العزيز بو الشعير.. محورية الإنسان في صناعة التاريخ من منظور بن نبي
انطلاقا من كوننا نصنع تاريخنا و لا يصنعه غيرنا، يقول الأستاذ “عبد العزيز بوالشعير” من جامعة سطيف أنه على أساسها جاءت تحليلات مالك بن نبي إلى الإشارة أنّ بناء الحضارة من جديد يكون مدخله الإنسان سواء بصورة فكرية أو روحية أو سلوكية و ما يتعلق بأهمية استحضار الإنسان في بناء الحضارة بالمعنى الاجتماعي الفعلي و دوره في الحركة و الفعل و الأداء و الارتباط بالمشكلات الواقعية.
و لصناعة التاريخ يجب توضيح الرؤية من البداية –يضيف المتدخل- من خلال تحديد المنابع الأولى في الإطار المرجعي المتمثل في الإسلام و ما يتعلق بالقرآن و السنة و تحويلها إلى حركة في التاريخ و ليس تركها نصوصا ساكنة فقط ..

أ.محمد لعاطف… عوامل النهوض الحضاري في فكر مالك بن نبي
بالتركيز على الدعوة لبناء شبكة علاقات اجتماعية على أساس بُعد ديني، يرى الأستاذ المحاضر من جامعة الشلف أنّ العمل التاريخي الذي يقوم به المجتمع الصانع للتاريخ يتجسد عندما يتماسك و يستطيع تحقيق المضمون الحضاري. و ضرورة إرجاع الفاعلية للعقيدة الدينية بمعالجة الخصام السلوكي و إشعاره بوجود الله، و بناء الإنسان الجديد قوياً بمعرفته بذاته و غيره و مدركا لأهمية رسالته في هذا الوجود، و ربط السياسة بالعلم و الأخلاق و البحث عن حلول للمشكلات في إطارها المكاني و الزماني فنبتكر طريقا جديدا بدلا من السير على خطى الآخرين .

التوصيات:
– متابعة تعميم دراسة المناحي الفكرية لمشروع مالك بن نبي في الملتقيات القادمة.
– توجيه طلبة الدراسات العليا إلى دراسة عناصر المشروع الفكري عند مالك نبي.
– توجيه البحث العلمي إلى الدرس المقارن للإنتاج الفكري عند مالك بن نبي في ضوء المشاريع الحضارية لرواد الفكر من الجانب الإصلاحي .
– تدعيم فكر مالك بن نبي مؤسساتيا من خلال طرح رؤى علمية بإعداد برامج لمعالجة مختلف المشكلات.
– تفعيل مناحي الحياة الفكرية من خلال ملتقيات و ندوات تمس رجالات الفكر و الثقافة عبر ربوع الوطن و الاستفادة من الخبرات الدولية في هذا المجال.
– الاتجاه لإعداد عروض التكوين الجامعية صوب المشاريع الفكرية التي تعنى بمشكلات الحضارة في مختلف التخصصات العلمية ذات المنحى الاجتماعي.
– تضمين المقررات الدراسية في مختلف المستويات التعليمية جوانب من المشروع الحضاري لمالك بن نبي.
– توصي اللجنة بضرورة طبع أعمال الملتقى تعميما للفائدة
– الدعوة إلى إصدار دورية تحمل عنوان مشكلات الحضارة مستوحاة أفكارها و مساراتها من الإنتاج الفكري لمالك بن نبي كي تفتح أفاقا للتنوير و الوعي و التجديد لهذه الأفكار.

عن موقع http://www.djelfa.info
6مارس2013