كيف تعامل مالك بن نبي مع القرآن الكريم ؟

عدد القراءات :3061

ملاحظات أولية :
في بداية هذه المداخلة أود أن أشير إلى ملاحظات شغلتني مدة طويلة، أعرضها كالآتي:
أحس عند قراءتي لمالك بن نبي رحمه الله أنه مثقل بالهموم، وعلى كاهله عبء ثقيل. أتمنى لو نستطيع حمل بعض العبء عنه.
إن الفكر الإسلامي المعاصر رغم وجود هذه الثروة الفكرية التي خلفها مالك بن نبي رحمه الله لم يهتد بعد إلى منهج للبناء الحضاري، بل يكتفي بالعرض لهذه الثروة الفكرية كالمزهو بماله ولا يزكي منها خوفا من النفاذ !
إن فكر مالك بن نبي يحدده معلمان أساسان:
أولا: الوعي بعمق الأزمة الخطيرة التي تمر بها الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية.
ثانيا: الاهتمام بقضايا الشباب الذي تأثر بالوافد من الغرب المتقدم المتحضر.
وفي إطار هذين المعلمين كان منهج تعامله مع القرآن الكريم.
إن الاهتمام بفكر مالك بن نبي انصب حول الهم الحضاري، في حين بقي النص القرآني وطرق التعامل معه خارج دائرة هذا الاهتمام، مع أن كل ما صدر من مؤلفات وأفكار إنما كان نابعا من أساس التعامل مع النص القرآني ومظاهر استثماره.
تعرض المفكر الجزائري محمد أركون لكتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي واعتبره كتابا هزيلا سطحيا ! لماذا ؟ لأنه دافع عن القرآن الكريم وفند مزاعم المغرضين، بل إنه آمن بقدسية القرآن الكريم وبربانيته، وأبى أن ينزله منزلة النص البشري. وهذا لم يُرح محمد أركون الذي يحاول جاهدا أن يرفع كل قدسية عن القرآن الكريم. في المقابل لا نجد – حسب علمي– تناولا هذا الموضوع من وجهة نظر عادلة !
بعد هذه الملاحظات أتحول إلى صلب الموضوع الذي سأتناول فيه منهج مالك بن نبي رحمه الله في عرض القضايا الآتية :
جمع القرآن الكريم.
الإعجاز في القرآن الكريم.
اللغة والمجاز في القرآن الكريم.
مكانة القرآن بالنسبة للكتاب المقدس.
جمع القرآن الكريم :
اهتم الاستشراق بقضايا القرآن الكريم، جمعه وترتيبه، وأثاروا مجموعة من الشكوك حولها، بل كتبوا مؤلفات اهتمت بالموضوع أشبعوها رؤاهم ومعتقداتهم، كما هو الشأن بالنسبة لريجيس بلاشير صاحب كتاب جمع القرآن وترتيبه، ونولدكه صاحب كتاب تاريخ القرآن. وقت تلقت النخبة العربية المسلمة هذه الطروحات بإعجاب كبير واعتبروها سندهم في محاجاتهم وحواراتهم، ومحور كتاباتهم.
تعرض المفكر الجزائري محمد أركون لكتاب الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي واعتبره كتابا هزيلا سطحيا ! لماذا ؟ لأنه دافع عن القرآن الكريم وفند مزاعم المغرضين، بل إنه آمن بقدسية القرآن الكريم وبربانيته، وأبى أن ينزله منزلة النص البشري. وهذا لم يُرح محمد أركون الذي يحاول جاهدا أن يرفع كل قدسية عن القرآن الكريم.
ولقد اجتهد مالك بن نبي رجمه الله في توجيه المهتمين من المسلمين بهذه الأفكار إلى جادة الصواب نقدا لأوهام المتخرصين.
يتناول مالك قضية تنجيم القرآن ( أي نزوله منجما ) فيقول: “لو أن القرآن كان قد نزل جملة واحدة لتحول سريعا إلى كلمة مقدسة خامدة وإلى فكرة ميتة، وإلى مجرد وثيقة دينية، لا مصدر يبعث الحياة في حضارة وليدة”1.
لماذا ؟
لأن الحركة التاريخية والاجتماعية والروحية التي نهض بأعبائها الإسلام لا سر لها إلا في هذا التنجيم !
وبمراجعتنا الزمن والأحداث، يبدو نزول القرآن منجما، الذي كان في اعتبار الجاهليين نقصا شاذا، شرطا أساسيا ضروريا لانتصار الدعوة المحمدية.
ويتوقف ابن نبي رحمه الله طويلا عند قصة جمع القرآن الكريم حيث يرى أن زيد بن ثابت رضي الله عته أحجم أولا عن القيام بهذه المهمة لأمرين:
أولهما: أنه لا يريد بوصفه صحابيا أن يقوم بمحاولات لم يقم بها النبي صلى الله عليه وسلم أو يأمر بها.
ثانيهما: أنه بوصفه مؤمنا يتحاشى مثل هذا العمل، لأنه يخشى مقدما أبسط الأخطاء المتوقعة في تنفيذ مهمته، على الرغم من ذلك فقد تمت هذه المهمة بفضل الجهود المتعاونة الواعية لأعضاء اللجنة التي عينها أبو بكر برئاسة زيد رضي الله عنهما.
ويثمن ابن نبي الطريقة التي اتبعت لكونها بسيطة، ومدققة، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يحفظون القرآن عن ظهر قلب، بالنظام نفسه الذي تعلموه في صحبتهم بإرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم لهم، فإن حدث اختلاف رجعوا إلى القطع التي كتبت فيها الآيات عند نزولها حتى يرفعوا الشك عن موضوعها، ولم يكتفوا بكل هذه الاحتياطات الملحوظة، فإن زيدا وعمر رضي الله عنهما قد ذهبا إلى مسجد المدينة، وهنالك أشهدا بقية الصحابة لتوثيق الرواية المكتوبة بواسطة اللجنة نفسها.
ويستدرك ابن نبي قائلا: “إن هذه الجهود قد أجازت نص القرآن مع بعض الاختلاف في اللهجات الشائعة بين عرب الجاهلية”. وهذا ما دعا إلى اختيار لجنة ثانية على رأسها زيد بن ثابت رضي الله عنه، وكلفت أداء هذه المهمة الجديدة، وكان عليها أن تثبت النص القرآني نهائيا في لغة واحدة، حتى لا يتسبب تنوع اللهجات في إحداث الشقاق والتدابر في المجتمع الإسلامي، وأنهت اللجنة عملها عام 25 هـ.
ثم يستنتج مالك بن نبي أن القرآن الكريم هو الكتاب الديني الوحيد الذي يتمتع بامتياز الصحة التي لا جدال فيها، لأنه لم يثر النقد مشكلة حوله، سواء كان ذلك شكلا أم موضوعا.

الإعجاز في القرآن الكريم :
حظي الإعجاز في الفكر الإسلامي بتراث وافر، حيث أفردت له مؤلفات كثيرة اجتهدت في بيات مكانة كتاب الله تعالى. وإذا كان الفكر الغربي والاستشراقي لا يرى في الإعجاز سوى تكريس للخرافة، كما يذهب إلى ذلك محمد أركون، فإن مالك بن نبي رحمه الله كان له رأي في الإعجاز من أجل بيان قدسية وربانية النص القرآني. فهو يرى أنه ينبغي أن نحدد الإعجاز في الأديان عامة، طبقا للحديث الشريف: “ما من نبي إلا وأوتي من الآيات ما ميله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحي إلي، فأنا أرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة”.
هذا، وإن آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الإعجاز كثيرة، منها ما تحدى القرآن به العرب كما في قوله تعالى: ]قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان يعضهم لبعض ظهيرا[ (الإسراء: 88).
وهذا تحد بكامل القرآن. وبعده كان التحدي الآتي: ]أم يقولون افتراه، قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين[ (هود: 13).
وهذا تحد أدنى درجة من السابق، فقط بعشر سور، بعد عجزهم أمام التحدي الكبير، بكامل القرآن.
ثم يأتي التحدي في أدنى مستوياته، سورة من القرآن:
]أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين[ (يونس: 38).
]وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله، وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين، فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة، أعدت للكافرين[ (البقرة: 32).
بعد هذا التحدي الأدنى مستوى يقطع القرآن بعجز العرب بإطلاق بقوله عز وجل ]ولن تفعلوا[.
ثم يعلق ابن نبي أن التاريخ لم يذكر أن أحدا قد أجاب على هذا التحدي، وظل دون تعقيب. إن إعجازه الأدبي قد أقحم فعلا عبقرية ذلك العصر. ثم بلفت انتباهنا إلى أن هذه الآيات لم يسقها القرآن لتنشئ الحجة، وغنما جاءت إعلانا هنا بوجودها في سائر القرآن حتى تؤتي تأثيرها في العقول التي لازالت في أكنتها.
بعد هذا يبين ما يلي:
أولا: إن الإعجاز بالنسبة إلى شخص الرسول ثلة الله عليه وسلم هو الحجة التي يقدمها لخصومه ليعجزهم بها. ومن هنا لا بد أن يكون في مستوى إدراك الجميع، وإلا فاتت فائدته، إذ لا قيمة منطقية لحجة تكون فوق إدراك الخصم، فهو ينكرها عن حسن نية أحيانا.
وعي مالك بن نبي رحمه الله بتلازم العلاقة بين القرآن والحضارة جعله يربط دائما بين قضايا القرآن الكريم ومحاوره بالتغيير الحضاري والثقافي الذي ينشده. وعن هذا الوعي صدرت جل كتاباته التي ضمنها زفراته وقلقه، وعالج كل الإشكالات في إطارها.
ثانيا: إن الإعجاز بالنسبة إلى الدين وسيلة من وسائل تبليغه، وهذا يقتضي أن يكون فوق طاقة الجميع.
ثالثا: ومن حيث الزمن أن يكون تأثيره بقدر ما في تبليغ الدين من حاجة إليه.
ثم يجمل مالك بن نبي القول في الإعجاز: “هذا هو المقياس العام الذي نراه ينطبق على معنى الإعجاز، في كل الظروف المحتملة بالنسبة إلى الأديان المنـزلة”2.

اللغة والمجاز :
يرى مالك بن نبي رحمه الله أن المجاز في اللغة العربية يستعير عناصره من سماء بلا سحاب، ومن صحراء بلا حدود، تعبرها القطا أو تثبت خلالها الآرام، فهي لا تعبر عن أية حيرة روحية أو ميتافيزيقية. وهي تجهل دقائق المنطق وتجريد الفكر الفلسفي أو العلمي أو الديني. فعمر رضي الله عنه اعتنق الإسلام بفعل تأثير لغة القرآن، والوليد بن المغيرة اعترف بروعة اللغة ومجال المجاز غير أنه أصر على كفره !
ولا يتفق ابن نبي مع بعض المفسرين إلى أن القرآن لم يستخدم مطلقا ألفاظا أجنبية عن لهجة الحجاز، مع أنه من البين أن في القرآن ألفاظا جديدة، وخاصة تلك الألفاظ الآرامية التي استخدمها لتعيين مفاهيم توحيدية من الناحية النوعية، كلفظ “الملكوت” والأسماء الخاصة مثل “جالوت وهاروت وماروت”. فمن وجهة الدراسات اللغوية يبدو القرآن وكأنما قد استحضر ثروته اللفظية الخاصة، وأنشأها إنشاء بطريقة فجائية وغريبة3.
ثم يستنتج ابن نبي أن هذه الظاهرة قد خلقت من الوجهتين الأدبية واللغوية فصلا تاما بين اللغة الجاهلية واللغة الإسلامية.
ويؤكد مالك أن “المسألة اللغوية التي أثارها القرآن تستحق في ذاتها دراسة جادة تضم ألفاظه الجديدة، واستخدامه الفذ للكلمات، وخاصة في مجال الأخرويات، وربما ظفر علم التفسير من ذلك بمجال رحيب يستطيع فيه أن يلاحظ امتداد الظاهرة القرآنية”4.
وينبه ابن نبي إلى تكييف (adaptation) الثروة اللفظية الأجنبية في القرآن حيث يفيدنا أن التكييف الاشتقاقي القرآني قد حذف اللفظ المكمل الإضافي ليتمثله في صورة أكثر تطابقا مع روح التوحيد الإسلامية فإذا به يكتفي بلفظ “العزيز” الذي يقصد به “عزيز الإله شمس” كما في سورة يوسف، دون التقيد بالترجمة الصوتية للحروف.
يلح ابن نبي رحمه الله على أهمية المجاز في دراسة الظاهرة القرآنية، ويوضحها بالمثالين الآتيين:
الأول: قوله تعالى: ]والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب[ (النور: 39).
يعلق على هذه الآية قائلا: “نحن هنا أمام عناصر مجاز عربي النوع، فأرض الصحراء وسماؤها قد طبعا عليه انعكاسهما. فليس ما نلاحظه مما يتصل بالظاهرة القرآنية التي تشغلنا، سوى ما نجده في الآية من بلاغة، حين يستخدم خداع السراب المغم، لتؤكد بما تلقيه من ظلال يبدد الوهم الهائل لدى إنسان مخدوع ينكشف في نهاية حياته غضب الله الشديد، في موضع السراب الكاذب… سراب الحياة”5.
المثال الثاني: قوله تعالى: ]أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور [ (النور: 40).
ثم يعلق: “فهذا المجاز يترجم على عكس سابقه عن صورة لا علاقة لها بالوسط الجغرافي للقرآن، بل لا علاقة لها بالمستوى العقل، أو المعارف التجريبية في العصر الجاهلي، وإنما هي في مجموعها منتزعة من بعض البلدان الشمالية التي يلفها الضباب، ولا يمكن للمرء أن يتصورها إلا في النواحي كثيفة الضباب في الدنيا الجديدة أو في إيسلندا”6. وهذا كاف لبيان أن هذا المجاز لا يمكن أن ينسب إلى عبقرية بشرية نشأت في الصحراء !
مكانة القرآن بالنسبة للكتاب المقدس :
إن تأثر الشباب المسلم بالمستشرقين لعلو كعبهم دفع ابن نبي إلى مناقشة قضايا الظاهرة القرآنية وكأنه في معركة كلامية من معارك علم الكلام الذي كان في أوج عطائه ينافح عن العقيدة الإسلامية ويدفع الشبهات عن الإسلام. ولعل هذا ما جعله في كتاب الظاهرة القرآنية يعقد مقارنات بين القرآن الكريم والكتاب المقدس في مجموعة من المواضيع، وفي قصة يوسف عليه السلام7. ثم يخلص إلى:
أن رواية القرآن تنغمر باستمرار في مناخ روحاني من خلال كلام الشخصيات التي تحرك المشهد القرآني.
مبالغة الرواية الكتابية في وصف الشخصيات المصرية بأوصاف عبرانية.
أخطاء تاريخية تثبت صفة الوضع التاريخي كما قي هذا الكلام: “لأن المصريين لا يجوز لهم أن يأكلوا مع العبرانيين لأنه رجس عند المصريين” الذي يراه ابن نبي من صنع النساخين الميالين إلى ذكر فترة المحن التي أصابت بني إسرائيل في مصر، وهي بعد زمن يوسف عليه السلام.
حل عقدة القصة بحمل طابع السرد التاريخي في الرواية الكتابية، حيث هناك تفاصيل مادية عن استقرار العبرانيين في مصر.
حل العقدة في القرآن الكريم يدور حول الطابع المميز للشخصية المحورية: يوسف عليه السلام الذي يختم هذا الختام المنتصر: ]ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا. وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا، وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي، إن ربي لطيف لما يشاء، إنه هو العليم الحكيم [ (يوسف: 100).
ومن خلال المقارنة بين روايتي القرآن والكتاب المقدس تبدو مجموعة من التناقضات والاعتراضات التي وجهت إلى الوحي والنبي صلى الله عليه وسلم يلخصها ابن نبي في فرضين:
الفرض الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تشبع – بدون علم – بالفكرة التوحيدية التي ربما تمثلها لا شعوريا في عبقريته الخاصة كيما يفيضها بعد ذلك في آيات القرآن الكريم.
وهذا الفرض ذو شقين:
أولهما: تأثير يهودي مسيحي في الوسط الجاهلي.
ثانيهما: الطريق التي تسنى لهذا التأثير أن يبرز في الظاهرة القرآنية.
الفرض الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعلم الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية تعلما مباشرا، وشعوريا، لكي يستخدم ذلك فيما بعد في بناء القرآن.
وهذا الفرض بدوره له شقان:
أولهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما تعلم بطريقة منهجية كيما يضع القرآن بعلمه.
ثانيهما: أنه ربما كان قد تعلم أو عًلّم، ثم استخدم لا شعوريا المادة التي حصلت في يده.
فبالنسبة للفرض الأول يوضح ابن نبي أن جميع الأبحاث التي توجهت إلى الكشف عن هذا التأثير في البيئة العربية قبل الإسلام لم تأت بأية نتيجة إيجابية.
أما بالنسبة للفرض الثاني فيرى أن شقه الأول غير محتمل باعتبار النتيجة العامة عن النبوة والنتيجة الخاصة عن الذات المحمدية: إخلاص هذه الذات واقتناعها الشخصي..8
خاتمة :
في ختام هذه المداخلة أشير إلى أن وعي مالك بن نبي رحمه الله بتلازم العلاقة بين القرآن والحضارة9 جعله يربط دائما بين قضايا القرآن الكريم ومحاوره بالتغيير الحضاري والثقافي الذي ينشده. وعن هذا الوعي صدرت جل كتاباته التي ضمنها زفراته وقلقه، وعالج كل الإشكالات في إطارها.
ويحضرني نموذج ذلك الطبيب الفرنسي علي سلمان لنوا الذي كان لكتاب الظاهرة القرآنية أثر في إسلامه. لنستمع إليه يقول: “أنا دكتور في الطب وأنتمي إلى أسرة فرنسية كاثوليكية. وقد كان لاختياري لهذه المهنة أثره في انطباعي بطباع الثقافة العلمية البحتة وهي لا تؤهلني كثيرا للناحية الروحية…
أما مركز الثقل والعامل الرئيسي في اعتناقي للإسلام، فهو القرآن. بدأت قبل أن أسلم، في دراسته بالعقلية الغربية المفكرة الناقدة، وإني مدين بالشيء الكثير للكتاب العظيم الذي ألفه مستر مالك بن نبي واسمه “الظاهرة القرآنية” فاقتنعت بأن القرآن كتاب وحي منزل من عند الله”10.
فأي نعمة أعظم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “لأن يهدي الله على يدك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس”.
فإضافة إلى المنهج الفريد الذي اتبعه مالك بن نبي رحمه الله في عرض قضايا القرآن وربطها بحركات المجتمع هناك أمر آخر كشفت عنه ابنته رحمة وهو دوام قيامه الليل والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى. ومن جمع بين كل هذا فلن يخيبه الله أبدا، بل يرزقه السداد والرشاد.

المصدر:ندوة مالك بن نبي: مفكر شاهد ومشروع متجدد التي نظمتها جمعية النبراس الثقافية بوجدة /المغرب أيام 11/12/13 نوفمبر 2005

الهوامش
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
– مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية ص 181.1
2 – نفسه ص 65.
3- راجع الظاهرة القرآنية ص 191.
4- نفسه ص 192.
5- نفسه ص 295.
6- نفسه ص 296.
7- راجع جدول المقارنة ص 211-251 من كتاب الظاهرة القرآنية.
8- راجع الظاهرة القرآنية ص 360 وما بعدها.
9- راجع مشكلة الحضارة ص 52.
10- انظر مجلة الدعوة عدد 1872 ص 76. (تصدر عن مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية).

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.