بيار شابوي : اعتنقت الإسلام بسبب فكر مالك بن نبي
ولد بيار شابوي – المدعو شمس الدين – في منطقة ليون سنة 1930 م ، أصابه العمى و هو في الثانية من عمره ، و قد تلقى تعليما دينيا في الكنيسة ، و لكنه لم يجد إجابات شافية عن تساؤلاته إلا في الإسلام من خلال طروحات المفكر مالك بن نبي ، و هو في هذا الحوار القصير الذي أجراه معه الأستاذ فضيل بومالة منذ سنتين تقريبا يقدم شهادة حيّة عن عبقرية مالك بن نبي و فكره .
سؤال : متى و كيف كان أول اتصال لكم بالعالم العربي و الإسلامي ؟
شمس الدين: حتى أختصر كلامي ، دخلت لمستشفى حتى أعالج مرض السل و كان ذلك سنة 1963 ، و هناك التقيت جزائريين تناقشت معهم كثيرا حول مشاكل العالم الثالث و الإسلام لأني كنت مهتما بها من خلال أعمال بعض المختصين في شؤونها من أمثال المستشرق غوتييه و رودنسون و بيرك و مونتاي …
و بعد ذلك بقليل ، بدأت في تعلّم اللغة العربية الفصحى مع تونسي ثم مع يسوعي ، و بقراءتي لكتاب ” وزن العالم الثالث ” لصاحبه جان لاكوتير ، عثرت على مقولة لمالك بن نبي تتعلق بمصطلحه ” القابلية للإستعمار ” ، و في مكتبة لأحد اليسوعيين وجدت كتابه ” وجهة العالم الإسلامي ” الذي أشار إليه الكاتب كمرجع ، و حينما حصلت على تسجيل صوتي لهذا الكتاب ، استمعت إليه دون تفكير عميق في اليوم ذاته ، ثم أعدته جزءا جزءا ثم كتبته بالبراي حتى تسهل عليّ قراءته .
و لأن الكتاب أعجبني كثيرا ، قررت أن أسافر إلى الجزائر ، فكتبت إلى مدير مدرسة العميان بالجزائر العاصمة الذي وفّر لي منصب شغل عنده كمعلّم ، و في سنة 1965 حضرت إلى الجزائر و بدأت الإطلاع و البحث حول الواقع الجزائري ، و في الحقيقة كانت المشكلة الكبرى التي دوّختني هي : كيف بالمسلمين الذين يملكون دينا عظيما ، يعترف بذلك حتى المستشرقون ، و رغم ذلك وصلوا إلى ذلك المستوى من الإنحطاط و الإنهيار ؟
و حينما اكتشفت مصطلح القابلية للإستعمار لمالك بن نبي ، قلت في نفسي: إنه التفسير الحقيقي لذلك ، و كلما تعمقت في فهمي للإسلام ، كلما بدأت أمارس بعض تعاليمه ، و هكذا توقفت عن شرب الخمر و حاولت الصيام … و في يوم من الأيام من صيف 1967 ، زرت أحد أصدقائي في المستشفى و عندها عرّفني بجاره الذي كان يعرف مالك بن نبي و الذي اقترح عليّ أن ينظّم لي موعدا معه ، و في النهاية ذهبنا دون موعد مسبق ، و سرعان ما أظهر ابن نبي اهتمامه بهذا ” الغربي” الذي يريد اعتناق الإسلام .
سؤال : و كيف تم اللقاء؟
شمس الدين : لقد كان ابن نبي مضيافا و لطيفا جدا و مباشرا في حديثه ، و لكنه كان يستمع أكثر مما يتكلم ، لقد كان دقيقا جدا في كلامه و واضحا و يختصر بقدر ما يستطيع ، و قد كانت له طريقة خاصة في التركيز على الأشياء المهمة ، لم يكن لا رجل دين و لا قانونيا و لا حتى فيلسوفا ، ما كان يهمه خطابه دون التيه في اعتبارات نظرية.
سؤال : و بخلاف ” وجهة العالم الإسلامي ” ما هي الكتب الأخرى التي اطلعتم عليها لمالك بن نبي و أعجبتكم كثيرا؟
شمس الدين : ” الظاهرة القرآنية ” و هذا الكتاب يختلف في جوهره عن ” وجهة العالم الإسلامي ” ، و الفكرة هنا دينية محضة ، و لكنه ناقشها في تحركها السوسيولوجي الحياتي ، لقد كان ابن نبي دائما مهندسا في طريقة معالجته للقضايا و اقتراح المقاربات و المقارنات أي أنه كان عقلانيا و عمليا ، لقد كان فكره سهل المنال حتى أنه كان يستعمل سبورة لتوضيح رؤاه و تحاليله .
سؤال : ما هي القضايا الكبرى التي حللها ابن نبي ؟ و كيف كانت طريقته في ذلك ؟
شمس الدين: لقد كان دائما يتبع الطريقة نفسها ، و رغبته كانت في تطوير التفكير حول المحاور الكبرى التي تطبع فكره و خصوصا فعالية المسلم في النصف الثاني من القرن العشرين و ضرورة فهمه و صناعته للحضارة و المجتمع ، و العلاقة بين الواجب و الحق ، لقد كان ابن نبي يركز دائما على مفهوم الحضارة ، وكان يربطه بكل الحالات النفسية و السلوكية و الإجتماعية ، لقد كان يربطها بالحياة اليومية و كان ينزل بالفكرة من برجها العاجي و الكلامي إلى واقعها البراغماتي .
سؤال : ما هي العلاقة بين شمس الدين ، مالك بن نبي و الإسلام؟
شمس الدين : لقد كان فهم ابن نبي للإسلام بعيدا عن اللاهوتية و النظرية ، فبالنسبة له الأهم يكمن في فعالية الدين في المجتمع ، خصوصا و أن الإسلام يحمل في طياته تصورا منهجيا لكيفيات تنظيم المجتمع حيث نجد الحقوق و الواجبات محددة في القرآن ، على الإنسان أن يؤدي واجبه أوّلا ثم يطالب بحقوقه ، و الواجب بطبيعة الحال هو أداء الواجبات الدينية ، و لكن أيضا في بناء و تنظيم المجتمع ، و هكذا استطاع مالك بن نبي أن يحدد معايير الحضارة ( الإنسان – التراب – الزمن ) هذا باختصار كيف كان ابن نبي يفهم الدين و كيف اقتنعت بأفكاره و كيف اعتنقت الإسلام .
الشروق الثقافي العدد 15 من 4 إلى 11 نوفمبر1993